رائعة " وردة من دماء" للشاعر الدكتور حسين على محمد
قراءة وتحليل الدكتور نادر أحمد عبد الخالق
العنوان :
يقول الناقد العربى الكبير عبدالقاهر الجرجانى فى معرض حديثه عن المجاز :
" الكلام على ضربين : ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده .. وضرب آخر أنت لاتصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحدهولكن يدلك اللفظ على معناه الذى يقتضيه موضوعه فى اللغة ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض " (1) واللغة تعبير ووجدان ومن بين التعبير والوجدان يخرج الأسلوب مصورا صاحبه ومقدما عوالمه الذاتية وكاشفا عن ثقافته وملامحها وتكوينها ومركباتها وكما كولراد " يصبح الأسلوب تعبيرا عن الموهبة الذاتية " (2)وهنا تمر اللفظة بمراحل من التحول عند استخدامها فى المجاز حيث تصبح تعبيرا عن التجربة والموقف الذى يريده الشاعر والكاتب على السواء وفى ذلك يقول د. صبحى البستانى :
لغة الكاتب هى تعبير عن هذا الموقف ومن خلال كل ذلك تغدو اللغة الأدبية المجازية " تعبيرا عن أفكار وإحساسات الأفراد إذتمتزج بهم ومن خلالهم عن نفسية شعب وعاداته وتقاليده عندها لايمكن التعرف فى اللغة على أشكال لغوية مشتركة وموجودة مسبقا فى المعجم ،الحياة واللغة يشكلان وحدة متماسكة " (3)
لذلك فإن التأويل المباشر للعنوان يحتاج إلى تفسير دقيق ليس للمردود اللفظى فقط وإنما لمجموعة العلاقات التى نشأت من هذه التركيبة الدقيقة التى تكون منها هذا الرسم الانحرافى تماما والذى يجمع بين امرين : الأول فقدان الدلالة الاولى القريبة المعروفة لكلمتى " وردة – وماء " والمعنى القريب للحرف " من " وهنا يصبح البحث أمر لا مفر منه ، البحث عن الدلالة الجديدة التى فرضها التركيب ، والتى سيبنى عليها النص ، وتتحدد معالمه حتى النهاية ، حتى نستطيع قراءة الصورة قراءة واعية صحيحة خالية من العبث والاغتراب .و نستطيعمعرفة ثقافة الشاعر وصدقه فى التعبير .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دلائل الإعجاز عبد القاهر الجرجانى عبد القاهر الجرجانى صـ 202
(2) الصورة الشعرية د. صبحى البستانى صـ61
(3) السابق صـ 61
وبداية نتوقف عند كلمة "وردة " توقفا ضروريا استكشافيا ، فالدلالة الأولى المعجمية ،لا تكفى لبيان حال اللفظة فى هذا الموضع الافتتاحى ،وهو عنوان القصيدة كذلك لا ينسجم المعنى عند إضافتها للماء ،ولايعطى فائدة ، أو طاقة تعبيرية تصويرية مرئية ، اللهم إلا الدلالة الشمية والجمالية للوردة ، والعلاقات التراثية العرفية المتداولة بيننا جميعا ،وحتى يسقيم المعنى الجديد يجب البحث عنه ، ولكى تتم عملية البحث هذه بدقة يجب أن تدور فى علاقات ثلاثة . العلاقة الاولى :المعنى الحقيقى وقد عرفناه وهو المعنى المتعارف عليه مسبقا العلاقة الثانية : وهى المفهوم القريب من ذاتية الشاعر وموهبته التى أفضت إلى هذا التركيب البيانى المنحرف عن معناه الاصلى ، وهى هنا ذات دلالة ثابتة ، إذ تعين القصد مباشرة ، من أن الشاعر سيطوف بنا عبر عالم من إنشائه وليس عالما من مخزوننا وما تحمله الذاكرة ، مما يجعل عملية الإبداع لها خصوصية التغلغل فى المتاح وفى غير المتاح على المستوى الإصلاحى النفسى ،وعلى المستوى الاجتماعى . العلاقة الثالثة : وهى العلاقة التى فرضها المعنى المجازى الجديد
وردة ـــــــــــــــــــــــــــــــ دلالة الصورة الشمية الجمالية (المشبه به) ويمكن
تسميتها بالدلالة الخارجية .
وردة ــــــــــــــــــــــــــــــ دلالة الرؤية الشعرية وعلاقة ذلك بالتجربة عند الشاعر
ومدى تطبيقها أومدى
تراجعه فى ذلك ، ويمكن تسميتها بالدلالة الذاتية .
وردة ـــــــــــــــــــــــــــــــ الدلالة الانتقالية للمعنى واللفظ ومن ثم إنشاء الصورة . ويمكن تسميتها بالدلالة المجازية .
من – دماء ـــــــــــــــــــــــــ دلالة استعارية استثنائية يمكن تسميتها بثقافة الشاعر .
بالإضافة إلى الهيئة التى وردت عليها الكلمة لغويا والحقيقة أننى سأكتفى فى ذلك بالهيئة اللفظية الإنكارية حيث وردت الكلمة نكرة غير معرفة وذلك يعطيها صفة العموم والشمول فى بنى جنسها ، ولايخصها بوردة معينة ،ذات خصوصية معلومة ،وتلك دلالة جديدة على شمولية المجاز ، وعلى شمولية التصور" المشبه والمشبه به " ومدى ثقافة الشاعر الفطرية المتأصلة وليست المكتسبة .كذلك إضافتها تخصيصا إلى الماء والصعود مباشرة إلى قمة المجاز والاستعارة والانتقال من التمثيل الحسى المباشر إلى التمثيل المعنوى الوجدانى، مما يؤكد الانحراف وأن هناك علاقات قادمة من هذا التركيب خاصة إذا اعتبرنا أن الجملة " وردة من ماء" هى جملة تأمل واستعطاف ، مبنى على تقدير حذف المنادى والأصل
يــا ـــــــــــــ وردة مـن دمـاء
تكلمــــــــــــى ........
بو حــــــــــى .........
وهذا التأويل يفتح المجال أمام الحوارات الداخلية والمنولوجات التى تختفى وراء التراكيب والألفاظ وهنا تتحقق العلاقة والدلالة الانحرافية إذا اعتبرنا أن الملاءمة المعنوية بين أداة النداء وبين الوردة لا يمكن تحقيقها مما يجعل التأويل مفتوحا أمام مجموعة أصوات ربما تكون متداخلة فى النص لكنها لا تقل فى اهميتها عن المعنى الحقيقى المقصود من الكلمة واللفظ والتركيب
النص :
يقول الشاعر حسين على محمد فى قصيدته
وردة من دماء أقولُ أقول لها:
زورقي .. موعدي / المُنحنى
فنافذتي تتسهَّدُ نافِرةً لانتظارِ النِّداءْ
أأكتشِفُ البحرَ ..
إذْ يتفضَّضُ لونُ الغُبارْ؟
وينحدرُ الزَّبدُ / الموجُ
حتى أُعانِقَ فيكِ غناءَ السماءْ
وجُرحَ بداياتِ هذا الضِّياءْ
( أينفرجُ الزَّمنُ الوغْدُ
في سلَّةِ الأُمنياتِ
عنِ الأُفقِ تملؤُهُ وردةٌ من دماءْ ؟ )
صنعاء 28/9/1986
وهى كما هو معلوم من التصريح قصيدة "صنعاوية" قيلت منذ أكثر من عقدين من الزمان مما يدل على أنها تمثل حالة وتجربة ، تتعلق بالشاعر فى ذلك الوقت والتأويل القريب يوحى بأن موضوعها هو الشوق ولهفة اللقاء وأنتظار الوسيلة التى بها تتحقق الأمانى والرغبات . اقول لها : تصريح وخطاب موجه إلى ذات متعددة المناجاة هى الوسيلة التى اعتمد عليها الشاعر فى بث حديثه وأقواله ، وهى مناجاة ذاتية متعدية من حقيقتها الأصلية إلى توظيف استثنائى مستعمل فى غير معناه الحقيقى والقراءة التى تفرض سياقها
زورقى ـــــــــــــــــــــ موعدى
المــــنـــــحــــــنـــــــــــــــــــى
هذه القراءة تقف على الفعل المنتظر وهوموعد السفر والعودة وهوليس موعدا ينتقل فيه الفعل وتتحقق الرغبات فقط وإنما هو بداية جديدة لمنحنى الرغبات والأمانى وتكرارالياء فى العلاقتين راجع إلى أهمية الأمنية ، وكذلك يرتبط بالعلاقة الزمنية التى فرضها المشهد الافتتاحى للنص .والمنحنى تعبير مراوغ إذ يأتى نتيجة لما قبله على مستوى التأويل وعلى مستوى الجملة الأسمية الثابتة الدلالة وقرائته تكون هكذا :
زورقى
ـــــــــــــــــــــ المنحنى
موعدى
وهذا دلالة على أن الزورق والموعد ومابينهما من تباعد فى العلاقة والتأويل هما علامة فارقة ومنحنى انتقالى فى وجدان الشاعر إن لم يكن فى واقعه وتحولاته الأجتماعية وفى النهاية هوخبر ذكر مرة وحذف أخرى لدلالة التوظيف وتوحيد العلاقة ، والاستفادة من خصوصية اللفظ التأويلية .
فنافذتي تتسهَّدُ نافِرةً لانتظارِ النِّداءْ
وهذه الجملة الشعرية التركيبية ذات الإسناد التأويلى تتعانق مع العلاقة النفسية والمناجاة لتعطى صفة المشاركة والحشد لعلاقات جديدة على مستوى المشهد والنص المصور والملاحظ أن السهاد قد اسند إلى غير حقيقته ، بالإضافة لكونه علاقة معنوية لاتتعدى حدود الوجدان ، مما يجعل عملية التحقيق متواصلة وأن الامر لايقف عند حدود الشوق بل يتعداه إلى الفراق والأرق النفسى ليس للنافذة فقط وإنما للشاعر وما يحيط به
نـافــذتــى = تتـسـهــد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نــا فـــــــــــــــــــــرة
العلاقة : انحرافية
ـــــــــــــــــــ انتظار النـــــداء
النتيجة: تعدديةالرؤى
وتوحد الحال
والمتتبع لحركة الاستعارة يجد أن الشاعر قد أخذ من النافذة محور العلاقة وظيفتها الاساسية كأداة مشاركة ،وكعنصر أساسى ليؤلف علاقة ارتباطية جديدة ، حيث اسند إلى الغير متحرك والجامد حركة ووجدان فى آن واحد "تتسهد ــ نافرة" وهو إسناد لصفات غير أصلية فى وضعها الانتقالى الجديد ،مما يجعل اللاملائمة صفة وعلاقة قامت عليها الصورة فى النص .
وكذلك نافرة إسناد جديد لايعطى تأويلا مباشرا قدر ما يعطى علاقة انحرافية جديدة على مستوى الإسناد ، وعلى مستوى الاستعارة التىتظهر اضطرابا فى وعلاقة لا ملائمة بين الفاعل والفعل والمفعول ،ونسبة " انتظار النداء " اليها بهذه الطريقة يقوى من دلالة التوظيف ويجعل من الحركة المضطربة فى وجدان الشاعر ،حركة متواصلة ودائمة ،لايستطيع التخلص منها إلا بتحقيق الحدث والفعل المنتظر
أأكتشف البحر
إذ يتفضض لون الغبار؟
وينحدر الزبد / الموج
حتى أعانق فيك غناء السماء
وجرح بدايات هذا الضياء
هذه اللوحة الوجدانية النفسية المحاصرة بالاستفهام تؤكد الحقيقة التىعليها الشاعر فهويناجى ذاته من خلال نافذته ومن خلال المركبات العامة للصورة المتعدية إلى احتواء المعالم من حوله والتى تعد عناصر مكملة للشاعر والتجربة فالبحر هنا هنا يمثل حضورا واضحا منذ البداية لكنه كان متمثلا فى الزورق ، وهنا التمثيل يطوى فى جنباته لهفة اللقاء والموعد لمضروب فى الذهن والذاكرة والاستفهام هنا فى غير حقيقته وهومسند إلى الخيال والوجدان هذه العلاقة التى يحاول الشاعر إقامتها بين العقل والطبيعة البيئية هى عملية تقارب بين هذه المعالم الطبيعية الرمزية وبين ذات النص والشاعر والقارىء ، وتلك حلة من التجانس ودمج الحسى بالمعنوى ، وخلق حالة من التوحد والانصهار يقوم على اساسها العنصر البيانى والصورة فى التجربة ، حتى تبدو الفكرة ذات دلالة تتصف بالبوح والغموض أحيانا من ذلك قوله
إذ يتفضض لون الغبار
والصورة اللونية المرئية هنا هى قوام التعبير واستعارة الفضة كلون وإضافته للغبار هو على سبيل التأكيد للموقف ، والحالة الشعورية واعتقد ان هذا يجعل من الصورة الشعرية على حد قول د.ساسين عساف :
"هى التعبير ،هى التجسيد الروحى والحسى لهذا الإيقاع الكونى المتعدد والواحد"(1)
والصيغة المضارعة التى ورد فيها الفعل يتفضض تجعل حالة انعدام الرؤيا قائمة ،مما يعنى أن عدم الاستقرار النفسى الوجدانى كما هى منذ بداية النص ، كذلك الغبار الذى تحول من معناه وحقيقته إلى خاصية من خصائص الطبيعةالنفسية ويصبح عاملا مساعدا فى تحقيق الفعل والصورة والموقف كل ذلك جعل اللقطة بعيدة فى تأويلها تعتمد الرمز والتلميح .
وقوله :
وينحدر الزبد / الموج
السقوط هو التأويل المباشر للتركيب والمراوغة الناتجة عن الجمع بين الزبد والموج تخلق حالة من التشابه والتماثل الذهنى المعقول فالمواصفات التى لحقت بالصورة المشبهة تبدو حقيقية واقعية تؤكد على أمر قد يكون ممكنا
ــــــــــــــــــــــ
(1) الصورة الشعرية د.صبحى البستانى صـ90
حتى أُعانِقَ فيكِ غناءَ السماءْ
وجُرحَ بداياتِ هذا الضِّياءْ
( أينفرجُ الزَّمنُ الوغْدُ
في سلَّةِ الأُمنياتِ
والغاية هنا تبدو متحققة وتبدو من النهائى متطلبات الصورة التى تلخص المشهد الذى عاد فيه الشاعر إلى نفسه وامنياته وضيقه وتبرمه ولعل التركيب " وجرح بدايات هذا الضياء " يؤكد ذلك وينفى عملية الاستقرار التى يريد الشاعر أن تتحقق والصورة هنا وانتقالها من حالة الحقيقة إلى حالة المجاز ووصف الزمن بهذا الوصف والاعتراف بأن الامنيات مصيرها هو السلة يجعل من النص الاخير فى مشهده حالة تنتهى وتبدأ مرة بعد أخرى ولا نهاية لتكرارها أو الشكوى منها .وفى النهاية فإن الصورة والتجربة فى نص وردة من د ماء تفرض مجموعة من الدلالات أهمها أن النص والصورة يجعلان من الاشياء الغير متجانسة وحدة وعلاقة يمكنها أن تربط بين المحسوس والمعنوى وبين الخيال والواقع وبين المرئى والمسموع فالوردة والدماء لا يرتبطان بصلة أو علاقة داخلية سوى إمكانية اللون ومع ذلك فقد نتج عنهما نص وصورة النص يعود على اللغة ومنحنياتها والصورة تعكس وجدان الشاعر الذى يؤدى دور الوردة الرمزى فى عدم الموائمة والملا ئمة
ْ
قراءة وتحليل الدكتور نادر أحمد عبد الخالق
العنوان :
يقول الناقد العربى الكبير عبدالقاهر الجرجانى فى معرض حديثه عن المجاز :
" الكلام على ضربين : ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده .. وضرب آخر أنت لاتصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحدهولكن يدلك اللفظ على معناه الذى يقتضيه موضوعه فى اللغة ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض " (1) واللغة تعبير ووجدان ومن بين التعبير والوجدان يخرج الأسلوب مصورا صاحبه ومقدما عوالمه الذاتية وكاشفا عن ثقافته وملامحها وتكوينها ومركباتها وكما كولراد " يصبح الأسلوب تعبيرا عن الموهبة الذاتية " (2)وهنا تمر اللفظة بمراحل من التحول عند استخدامها فى المجاز حيث تصبح تعبيرا عن التجربة والموقف الذى يريده الشاعر والكاتب على السواء وفى ذلك يقول د. صبحى البستانى :
لغة الكاتب هى تعبير عن هذا الموقف ومن خلال كل ذلك تغدو اللغة الأدبية المجازية " تعبيرا عن أفكار وإحساسات الأفراد إذتمتزج بهم ومن خلالهم عن نفسية شعب وعاداته وتقاليده عندها لايمكن التعرف فى اللغة على أشكال لغوية مشتركة وموجودة مسبقا فى المعجم ،الحياة واللغة يشكلان وحدة متماسكة " (3)
لذلك فإن التأويل المباشر للعنوان يحتاج إلى تفسير دقيق ليس للمردود اللفظى فقط وإنما لمجموعة العلاقات التى نشأت من هذه التركيبة الدقيقة التى تكون منها هذا الرسم الانحرافى تماما والذى يجمع بين امرين : الأول فقدان الدلالة الاولى القريبة المعروفة لكلمتى " وردة – وماء " والمعنى القريب للحرف " من " وهنا يصبح البحث أمر لا مفر منه ، البحث عن الدلالة الجديدة التى فرضها التركيب ، والتى سيبنى عليها النص ، وتتحدد معالمه حتى النهاية ، حتى نستطيع قراءة الصورة قراءة واعية صحيحة خالية من العبث والاغتراب .و نستطيعمعرفة ثقافة الشاعر وصدقه فى التعبير .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دلائل الإعجاز عبد القاهر الجرجانى عبد القاهر الجرجانى صـ 202
(2) الصورة الشعرية د. صبحى البستانى صـ61
(3) السابق صـ 61
وبداية نتوقف عند كلمة "وردة " توقفا ضروريا استكشافيا ، فالدلالة الأولى المعجمية ،لا تكفى لبيان حال اللفظة فى هذا الموضع الافتتاحى ،وهو عنوان القصيدة كذلك لا ينسجم المعنى عند إضافتها للماء ،ولايعطى فائدة ، أو طاقة تعبيرية تصويرية مرئية ، اللهم إلا الدلالة الشمية والجمالية للوردة ، والعلاقات التراثية العرفية المتداولة بيننا جميعا ،وحتى يسقيم المعنى الجديد يجب البحث عنه ، ولكى تتم عملية البحث هذه بدقة يجب أن تدور فى علاقات ثلاثة . العلاقة الاولى :المعنى الحقيقى وقد عرفناه وهو المعنى المتعارف عليه مسبقا العلاقة الثانية : وهى المفهوم القريب من ذاتية الشاعر وموهبته التى أفضت إلى هذا التركيب البيانى المنحرف عن معناه الاصلى ، وهى هنا ذات دلالة ثابتة ، إذ تعين القصد مباشرة ، من أن الشاعر سيطوف بنا عبر عالم من إنشائه وليس عالما من مخزوننا وما تحمله الذاكرة ، مما يجعل عملية الإبداع لها خصوصية التغلغل فى المتاح وفى غير المتاح على المستوى الإصلاحى النفسى ،وعلى المستوى الاجتماعى . العلاقة الثالثة : وهى العلاقة التى فرضها المعنى المجازى الجديد
وردة ـــــــــــــــــــــــــــــــ دلالة الصورة الشمية الجمالية (المشبه به) ويمكن
تسميتها بالدلالة الخارجية .
وردة ــــــــــــــــــــــــــــــ دلالة الرؤية الشعرية وعلاقة ذلك بالتجربة عند الشاعر
ومدى تطبيقها أومدى
تراجعه فى ذلك ، ويمكن تسميتها بالدلالة الذاتية .
وردة ـــــــــــــــــــــــــــــــ الدلالة الانتقالية للمعنى واللفظ ومن ثم إنشاء الصورة . ويمكن تسميتها بالدلالة المجازية .
من – دماء ـــــــــــــــــــــــــ دلالة استعارية استثنائية يمكن تسميتها بثقافة الشاعر .
بالإضافة إلى الهيئة التى وردت عليها الكلمة لغويا والحقيقة أننى سأكتفى فى ذلك بالهيئة اللفظية الإنكارية حيث وردت الكلمة نكرة غير معرفة وذلك يعطيها صفة العموم والشمول فى بنى جنسها ، ولايخصها بوردة معينة ،ذات خصوصية معلومة ،وتلك دلالة جديدة على شمولية المجاز ، وعلى شمولية التصور" المشبه والمشبه به " ومدى ثقافة الشاعر الفطرية المتأصلة وليست المكتسبة .كذلك إضافتها تخصيصا إلى الماء والصعود مباشرة إلى قمة المجاز والاستعارة والانتقال من التمثيل الحسى المباشر إلى التمثيل المعنوى الوجدانى، مما يؤكد الانحراف وأن هناك علاقات قادمة من هذا التركيب خاصة إذا اعتبرنا أن الجملة " وردة من ماء" هى جملة تأمل واستعطاف ، مبنى على تقدير حذف المنادى والأصل
يــا ـــــــــــــ وردة مـن دمـاء
تكلمــــــــــــى ........
بو حــــــــــى .........
وهذا التأويل يفتح المجال أمام الحوارات الداخلية والمنولوجات التى تختفى وراء التراكيب والألفاظ وهنا تتحقق العلاقة والدلالة الانحرافية إذا اعتبرنا أن الملاءمة المعنوية بين أداة النداء وبين الوردة لا يمكن تحقيقها مما يجعل التأويل مفتوحا أمام مجموعة أصوات ربما تكون متداخلة فى النص لكنها لا تقل فى اهميتها عن المعنى الحقيقى المقصود من الكلمة واللفظ والتركيب
النص :
يقول الشاعر حسين على محمد فى قصيدته
وردة من دماء أقولُ أقول لها:
زورقي .. موعدي / المُنحنى
فنافذتي تتسهَّدُ نافِرةً لانتظارِ النِّداءْ
أأكتشِفُ البحرَ ..
إذْ يتفضَّضُ لونُ الغُبارْ؟
وينحدرُ الزَّبدُ / الموجُ
حتى أُعانِقَ فيكِ غناءَ السماءْ
وجُرحَ بداياتِ هذا الضِّياءْ
( أينفرجُ الزَّمنُ الوغْدُ
في سلَّةِ الأُمنياتِ
عنِ الأُفقِ تملؤُهُ وردةٌ من دماءْ ؟ )
صنعاء 28/9/1986
وهى كما هو معلوم من التصريح قصيدة "صنعاوية" قيلت منذ أكثر من عقدين من الزمان مما يدل على أنها تمثل حالة وتجربة ، تتعلق بالشاعر فى ذلك الوقت والتأويل القريب يوحى بأن موضوعها هو الشوق ولهفة اللقاء وأنتظار الوسيلة التى بها تتحقق الأمانى والرغبات . اقول لها : تصريح وخطاب موجه إلى ذات متعددة المناجاة هى الوسيلة التى اعتمد عليها الشاعر فى بث حديثه وأقواله ، وهى مناجاة ذاتية متعدية من حقيقتها الأصلية إلى توظيف استثنائى مستعمل فى غير معناه الحقيقى والقراءة التى تفرض سياقها
زورقى ـــــــــــــــــــــ موعدى
المــــنـــــحــــــنـــــــــــــــــــى
هذه القراءة تقف على الفعل المنتظر وهوموعد السفر والعودة وهوليس موعدا ينتقل فيه الفعل وتتحقق الرغبات فقط وإنما هو بداية جديدة لمنحنى الرغبات والأمانى وتكرارالياء فى العلاقتين راجع إلى أهمية الأمنية ، وكذلك يرتبط بالعلاقة الزمنية التى فرضها المشهد الافتتاحى للنص .والمنحنى تعبير مراوغ إذ يأتى نتيجة لما قبله على مستوى التأويل وعلى مستوى الجملة الأسمية الثابتة الدلالة وقرائته تكون هكذا :
زورقى
ـــــــــــــــــــــ المنحنى
موعدى
وهذا دلالة على أن الزورق والموعد ومابينهما من تباعد فى العلاقة والتأويل هما علامة فارقة ومنحنى انتقالى فى وجدان الشاعر إن لم يكن فى واقعه وتحولاته الأجتماعية وفى النهاية هوخبر ذكر مرة وحذف أخرى لدلالة التوظيف وتوحيد العلاقة ، والاستفادة من خصوصية اللفظ التأويلية .
فنافذتي تتسهَّدُ نافِرةً لانتظارِ النِّداءْ
وهذه الجملة الشعرية التركيبية ذات الإسناد التأويلى تتعانق مع العلاقة النفسية والمناجاة لتعطى صفة المشاركة والحشد لعلاقات جديدة على مستوى المشهد والنص المصور والملاحظ أن السهاد قد اسند إلى غير حقيقته ، بالإضافة لكونه علاقة معنوية لاتتعدى حدود الوجدان ، مما يجعل عملية التحقيق متواصلة وأن الامر لايقف عند حدود الشوق بل يتعداه إلى الفراق والأرق النفسى ليس للنافذة فقط وإنما للشاعر وما يحيط به
نـافــذتــى = تتـسـهــد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نــا فـــــــــــــــــــــرة
العلاقة : انحرافية
ـــــــــــــــــــ انتظار النـــــداء
النتيجة: تعدديةالرؤى
وتوحد الحال
والمتتبع لحركة الاستعارة يجد أن الشاعر قد أخذ من النافذة محور العلاقة وظيفتها الاساسية كأداة مشاركة ،وكعنصر أساسى ليؤلف علاقة ارتباطية جديدة ، حيث اسند إلى الغير متحرك والجامد حركة ووجدان فى آن واحد "تتسهد ــ نافرة" وهو إسناد لصفات غير أصلية فى وضعها الانتقالى الجديد ،مما يجعل اللاملائمة صفة وعلاقة قامت عليها الصورة فى النص .
وكذلك نافرة إسناد جديد لايعطى تأويلا مباشرا قدر ما يعطى علاقة انحرافية جديدة على مستوى الإسناد ، وعلى مستوى الاستعارة التىتظهر اضطرابا فى وعلاقة لا ملائمة بين الفاعل والفعل والمفعول ،ونسبة " انتظار النداء " اليها بهذه الطريقة يقوى من دلالة التوظيف ويجعل من الحركة المضطربة فى وجدان الشاعر ،حركة متواصلة ودائمة ،لايستطيع التخلص منها إلا بتحقيق الحدث والفعل المنتظر
أأكتشف البحر
إذ يتفضض لون الغبار؟
وينحدر الزبد / الموج
حتى أعانق فيك غناء السماء
وجرح بدايات هذا الضياء
هذه اللوحة الوجدانية النفسية المحاصرة بالاستفهام تؤكد الحقيقة التىعليها الشاعر فهويناجى ذاته من خلال نافذته ومن خلال المركبات العامة للصورة المتعدية إلى احتواء المعالم من حوله والتى تعد عناصر مكملة للشاعر والتجربة فالبحر هنا هنا يمثل حضورا واضحا منذ البداية لكنه كان متمثلا فى الزورق ، وهنا التمثيل يطوى فى جنباته لهفة اللقاء والموعد لمضروب فى الذهن والذاكرة والاستفهام هنا فى غير حقيقته وهومسند إلى الخيال والوجدان هذه العلاقة التى يحاول الشاعر إقامتها بين العقل والطبيعة البيئية هى عملية تقارب بين هذه المعالم الطبيعية الرمزية وبين ذات النص والشاعر والقارىء ، وتلك حلة من التجانس ودمج الحسى بالمعنوى ، وخلق حالة من التوحد والانصهار يقوم على اساسها العنصر البيانى والصورة فى التجربة ، حتى تبدو الفكرة ذات دلالة تتصف بالبوح والغموض أحيانا من ذلك قوله
إذ يتفضض لون الغبار
والصورة اللونية المرئية هنا هى قوام التعبير واستعارة الفضة كلون وإضافته للغبار هو على سبيل التأكيد للموقف ، والحالة الشعورية واعتقد ان هذا يجعل من الصورة الشعرية على حد قول د.ساسين عساف :
"هى التعبير ،هى التجسيد الروحى والحسى لهذا الإيقاع الكونى المتعدد والواحد"(1)
والصيغة المضارعة التى ورد فيها الفعل يتفضض تجعل حالة انعدام الرؤيا قائمة ،مما يعنى أن عدم الاستقرار النفسى الوجدانى كما هى منذ بداية النص ، كذلك الغبار الذى تحول من معناه وحقيقته إلى خاصية من خصائص الطبيعةالنفسية ويصبح عاملا مساعدا فى تحقيق الفعل والصورة والموقف كل ذلك جعل اللقطة بعيدة فى تأويلها تعتمد الرمز والتلميح .
وقوله :
وينحدر الزبد / الموج
السقوط هو التأويل المباشر للتركيب والمراوغة الناتجة عن الجمع بين الزبد والموج تخلق حالة من التشابه والتماثل الذهنى المعقول فالمواصفات التى لحقت بالصورة المشبهة تبدو حقيقية واقعية تؤكد على أمر قد يكون ممكنا
ــــــــــــــــــــــ
(1) الصورة الشعرية د.صبحى البستانى صـ90
حتى أُعانِقَ فيكِ غناءَ السماءْ
وجُرحَ بداياتِ هذا الضِّياءْ
( أينفرجُ الزَّمنُ الوغْدُ
في سلَّةِ الأُمنياتِ
والغاية هنا تبدو متحققة وتبدو من النهائى متطلبات الصورة التى تلخص المشهد الذى عاد فيه الشاعر إلى نفسه وامنياته وضيقه وتبرمه ولعل التركيب " وجرح بدايات هذا الضياء " يؤكد ذلك وينفى عملية الاستقرار التى يريد الشاعر أن تتحقق والصورة هنا وانتقالها من حالة الحقيقة إلى حالة المجاز ووصف الزمن بهذا الوصف والاعتراف بأن الامنيات مصيرها هو السلة يجعل من النص الاخير فى مشهده حالة تنتهى وتبدأ مرة بعد أخرى ولا نهاية لتكرارها أو الشكوى منها .وفى النهاية فإن الصورة والتجربة فى نص وردة من د ماء تفرض مجموعة من الدلالات أهمها أن النص والصورة يجعلان من الاشياء الغير متجانسة وحدة وعلاقة يمكنها أن تربط بين المحسوس والمعنوى وبين الخيال والواقع وبين المرئى والمسموع فالوردة والدماء لا يرتبطان بصلة أو علاقة داخلية سوى إمكانية اللون ومع ذلك فقد نتج عنهما نص وصورة النص يعود على اللغة ومنحنياتها والصورة تعكس وجدان الشاعر الذى يؤدى دور الوردة الرمزى فى عدم الموائمة والملا ئمة
ْ