الأربعاء، 9 سبتمبر 2009

يومية جرح قصيد للدكتورحسين على محمد قراءة وتحليل الدكتورنادر عبدالخالق


3- يومية جُرح

فرَّ الأمسُ سريعا
فوقفْتَ تُودِّعُهُ في هَلَعِ الأعمى
وطريقُكَ يوسعُكَ عذابا ا
فتُقابلُهُ مبتسما
منْ أنباكَ بأنَّ زهورَكَ تذوي في ليلةِ عشقِكَ
أوْ تتهاوى ..
في غدِكَ المُجهَضِ ندما ؟

الرياض 15/7/1992

العنوان :
" يومية جرح " جملة خبرية تحتمل صدقا فى الدلالة ، وتأويلا فى المعنى ، ورمزية فى الوجدان ، والتقدير هذه يومية جرح" تتحدث ، تتألم ، تتحاور،تشتكى " ودلالة هذه التاويلات الضمنية ناتجة عن دلالة الجرح ، على المستوى النفسى الموضوعى ، مما يجعل النص تقريرا وإخبارا عن حالة ذاتية للشاعر ، يمكن أن تتعدى إلى نوع من الشمولية ، التى تستوعب مظاهر الحياة الإنسانية ، ونسبة الدلالة الزمنية فى " يومية " إلى " جرح " ، الذى ورد فى صيغته المنكرة ، يوحى بعمومية التأثير ، وعدم وقوفه عند علاقة رمزية خاصة ، وكذلك يمكن اعتبار النص خبرا لمبتدأ تعين فى العنوان ، وعلى ذلك فالنص حكاية وقصة خبرية ، تستوجب تتبعا ، واستنتاجا لمجموعة علاقات ودلالات ، تقف على حقيقة النص ، وحقيقة العنوان .
من هنا فإن الصورة الخارجية هى صورة الشكوى ، والصورة الداخلية هى الصورة المترجمة لخصوصية هذه الشكوى ، ومظاهرها النفسية ، العميقة ، ذات الرمزية البعيدة ، التى تدور فى فلك الشاعر وفضائه النفسى والوجدانى ، والاستعارة الاسمية القائمة على انحراف العلاقة والمعنى ، تؤكد على أهمية الكشف عن المرجعية الرمزية ، والدلالة التى تقوم عليها هذه العلاقة ، وهى هنا لاتتعين من خلال مرجعية ، أوإشارة حسية معلومة ، وإنما يمكن عودتها إلى ذات الشاعر ، وإلى تفاصيل حياته الخاصة ويتضح ذلك من هذه الرؤية
" يومية جرح " المتأمل للمردود الرمزى ، فى هذه الجملة الإسنادية ، لا يمكنه أن يقف على علاقة منطقية بين الدلالة الزمنية لـ " يومية " وبين المعنى القريب لـ " جرح " مما يعنى أن هناك انحرافا نتج عن هذه التركيبة ، وهذا الانحراف أدى إلى وجود معنى ودلالة جديدة ، لم يكن إدراكهما ممكنا على هيئة الصورة الأولى، والدلالة الجديدة كانت سببا فى ظهور البعد النفسى ، حيث أدى الجمع بين" يومية" و " جرح " على اختلاف مرجعيتهما إلى وجود عنصر مضمر، لايمكن إدراكه حسيا أو بدلالة منطقية أو حسية ، وإنما يتعين إدراكه بالحدس ، من خلال قراءة الصورة الخارجية ، وتأويلها بالصورة النفسية الداخلية للنص ، والذى ساعد على ذلك هو وجود التشبيه ، وعلاقاته التى غلفت الصورة الكلية للعنوان .
تأمل معى هذا التأويل :
يومية = علاقة لاتخرج عن كونها زمنا لايتجاوز المدة المعروفة لليوم وهى تعنى تقريرا لحدث مضى ، ولم يعد لحضوره الحسى فائدة سوى التعريف به وبمؤثراته ، على المستوى النفسى ، كصورة خاصة ، يمكن قراءة الواقع الشخصى من خلال تحليلها
جرح = علاقة ودلالة تتعين فى الألم والنتائج المترتبة على الجرح ، وتأويلاته الحسية والمعنوية التى يمكن رد الفعل والنتيجة إليها وهو هنا على غيرحقيقته المستعملة ، واستعارته جاءت من كونه ، دلالة على حالة ، وعلاقة على وجود صورة حسية ستتحول بفضل الاستعارة إلى معنوية .
النتيجة = النسبة بين الألم والزمن ، نسبة مرجعيتها لاتعود على قياس الألم أو على زمنيته ، بقدر ماهى تعود هنا على إدراكه ومشاهدته ، وتلك حالة لايمكن تحقيقها ، مما يؤيد العملية التأويلية التى خضعت لها الصورة وقرائتها بهذه الطريقة




النص :
يقول الشاعر :
فر الأمس سريعا
فوقفت تودعه فى هلع الأعمى
وطريقك يوسعك عذابا
فتقابله مبتسما
الصورة التى تنطلق من خلالها التجربة هنا هى صورة النفس المتحاورة ، التى تتخذ من تجليات الصورة الخارجية ،وسيلة وركيزة ، تنفذ بواستطها إلى عمق الذات التى تمثل الركن الأساسى للتجربة ، والصورة بقسميها هنا تقوم على محاورة ضمنية ، تعكس مدى فقدان الإنسان السيطرة على ما مضى ، ووقوفه حائرا لايملك من أمره شيئا .
والقراءة الدقيقة للكلمات والجمل فى هذه المقطوعة الشعرية ، تقف على صورتين الأولى : صورة اللفظ واستعمالاته وحركته الضمنية ، فضلا عن حضوره المباشر الثانية : صورة النفس الحائرة ، التى تتعدى حدود الواقع الخارجى إلى كشف الحقائق التى تمثلها هذه النفس الحائرة .
والصورة الأولى يمكن أن تمثل الصورة الخارجية ، والصورة الثانية يمكن أن تدل على الصورة الداخلية للنص والشاعر ، وأيا كان المردود الموضوعى لكل من الصورتين ، فإنهما فى هذا النص ، حالة خاصة تعود فى المقام الأول على ذات الشاعر ، وتعبر عن كوامنه وانفعالاته وانعكاساتها،على الإبداع والتعبير النفسى ، الذى يمثل إحدى ركائز الفن ، ومظهر من مظاهر الإبداع ، وتجليات النفس الإنسانية عامة ، عند نشاطها الذهنى المتعدى ، إلى تمثيل الحياة والعالم .
صورة اللفظ :
فر الأمس سريعا
القراءة اللغوية للتركيب تقف على حركة اللفظ ومردوده وانفعالاته فى الجملة والجملة هنا فعلية " فر " و حالية " سريعا " والدلالة المباشرة لها تعطى دواما وحركة لهذا الفرار ، وتجعله حالا وواقعا لا ينقطع مده وفعله ، فى ظل تواصل الحسرة الداخلية للنفس التى ترقب فقط ، دون أن تملك شيئا فـ :
الأمس = ( الفرار )
الفرار = ( سريعا )
والأمس فاعل للمعنى ، ومجازيته محققة ، ومستقرة فى العقل والوجدان والجمع التصادمى بين ( فر – وسريعا ) يعد تكرارا وإلحاحا على تأكيد الواقع الذى ينطلق منه الفعل ويستقر فيه الحال ، وإذا تعمقت المعنى فى " فر " التى تعنى الهروب ، والهروب بطبيعته يستلزم سرعة وكرا وجريا وعدوا .
والمعنى فى " سريعا " أيضا قائم على السرعة ، هذا التكرار للمعنى ، يؤكد على حسرة الفرار ، ولوعة الزمن المتجسدة فى قوله : " الأمس سريعا " وتلك دلالة تعود على الشخصية الشاعرة مباشرة .
صورة النفس :
والتى يمكن تعيينها من الدلالة الانحرافية للفعل " فر" ونسبته إلى الوحدة الزمنية الرمزية القابعة فى "الأمس " " ( مع حضور المعادل الزمنى منذ البداية المتمثل فى" يومية" ) فالفرار ليس للأمس على إطلاقه ، وإنما هو فرار ، للأمال التى كانت معقودة ، على ذلك الأمس الذى أصبح خلقا بعيدا ، لا يمكن عودته أبدا ، كذلك المرجعية الموضوعية ، لـ " فر " الفعلية لاتتوافق مسبقا مع إسنادها الزمنى ، حيث جعلت من الزمن نهبا ، لايمكن للإنسان إدراكه ولاتتحقق له مقاومته، او إيقاف نزيفه المتواصل ، لصفة السرعة التى يتصف بها بجانب الفرار، لذا فإن المظهر النفسى ، لتلك الحالة الحدثية المتضمنة معنى القص ، هى حقيقة خارجية ، تحولت بفضل الصورة النفسية الدقيقة ، إلى ملمح من ملامح الذات ، التى يمكن وصفها بالفرار ، وعدم الاستقرار عند رؤية نفسية أومنطقية ، معلومة أو يمكن القبض عليها ، والحقيقة أن هذه الرؤية ، قد تحققت بفضل التشبيه ، الذى أدى وظيفة ، خارجية عندما قدم المعانى الذهنية النفسية ، تقديما حسيا مجردا ، وعلى ذلك يمكن اعتبار الجرح هو النفس ، مجازا لغويا وحقيقة وجدانية ، جاءت من أثر التشبيه ، الذى قرب البعيد وكشف عن العلاقة والرمز ، وفى ذلك يقول ابن رشيق :
" واعلم أن التشبيه على ضربين : تشبيه حسن ، وتشبيه قبيح ، فالتشبيه الحسن هو الذى يخرج الأغمض إلى الأوضح فيفيد بيانا ، والتشبيه القبيح ما كان على خلاف ذلك ، وقال : وشرح ذلك أن ما تقع عليه الحاسة أوضح فى الجملة مما لا تقع عليه الحاسة ، والمشاهد أوضح من الغائب " (1)
والفرار فى أصله ومعناه صورة حسية ، للأمس بوصفه صورة زمنية مستعارة من حقيقتها إلى حقيقة جديدة ، و ينطبق عليه ماذهب إليه إبن رشيق القيروانى من وقوع الحاسة ، بفضل الحضور الحسى ، لحركة الفر التى هى من خصائص المخلوقات المادية ،وانتقالها من الحسى إلى المعنوى .
ويقول الشاعر من نفس الصورة :
فوقفت تودعه فى هلع الأعمى
وهذا التركيب ينقسم بحسب الصورة إلى قسمين :
الأول : فوقفت تودعه .
الثانى : فى هلع الأعمى .
" الفاء " و حرف الجر " فى" يمكن الوقوف على نسبة حضورهما فى الصورة ، كبعد لغوى وظيفى ، لايتعدى حدود التوجيه والربط ، بين التركيب الأول ، وتعلق كل منهما بالأخر وصفا وقصا ، فالفاء تقوم على وظيفة العطف والتعقيب بين الجمل ، وحرف الجر ينقل الصورة التشبيهية من المنظور المعنوى ، إلى المنظور الحسى المشاهد ، وهنا يتحول المد القصصى الوصفى ، من مخاطبة وتعيين المعنوى إلى مخاطبة وتعيين النفس ، والانتقال مباشرة من غير الممكن إلى الممكن بواسطة الرمز المتجسد فى صورة الأعمى الحسية ، الشديدة الدلالة .
وقفت تودعه :
البناء التركيبى للجملة ، والإسناد التى أشارت إليه الدلالة اللفظية واللغوية ، تشير إلى بداية ظهور معادل موضوعى ، لم يكن موجودا من قبل هذا المعادل له مظهرين أحدهما ناقل للفعل ، والأخر يقع عليه الفعل ، وتلك رؤية مركبة تمثل ، الكيان النفسى للشاعر ،وتمثل أيضا الفعل الحسى المادى له ، وكأن الصورة لاتقوم بغير هذين المظهرين ، وعلى ذلك فإن الناقل والواصف هو من وقع عليه الفرار ،وأحس بقسوته ، ويصبح الوداع هنا أمرا لاإراديا ، بل يصبح ضرورة حتمية تفرضها ، تلك العلاقات الكونية التى لادخل فيها ، لمحرك خارجى ، أوموجه لرحيلها ، أو مجيئها ، والمرجعية الضمنية للضمير تعود مباشرة على الأمس ، الذى ينتقل برمزيته إلى الحركة المباشرة للإنسان ، ويصبح تعبيرا عن رحيله هو الأخر ،أو انسحاقه ، وعدم عودته أيصا من الأمس إلى اليوم ، بصورته التى استقبل بها ذلك الأمس الذى فر من بين يديه .
هلع الأعمى :
تشبيه ينتج صورة حسية ، تكشف عن الفشل الكبير ، الذى ينتاب من يحاول اللحاق بذلك الأمس ، لأنه حينئذ سيشبه فاقد البصر ، حينما يبحث عن النور ، أو ما يمثل هذا المظهر ، الذى يهديه الطريق ، وهلع الأعمى بمعناه المعجمى الذى يعنى شدة الجزع ، وشدة الحزن ، وعنف الضمير والوجدان ، ونسبة ذلك إلى الأعمى صراحة ،دون مواربة فى الحس والشعور ، يجعل من الاستعارة قوة ، وبيان ، القوة فى التعبير والتصوير والإدراك ، والبيان فى التقرير والاعتراف بعدم ، وجود الفعالية الممكنة لوقف هذا الأمس أوملاحقته .
ويقول الشاعر :
وطريقك يوسعك عذابا
فتقابله مبتسما
التركيب السابق يواصل فيه الشاعر انفعالاته وتصويره الدقيق لبعض حالاته ،كما تصرح بذلك الصورة الخارجية للتركيب ، حيث تفصح عن كوامن ذاتية ، ودفقات شعورية ، وحيرة وفقدان للمواجهة ، والصورة الداخلية للألفاظ ، والبعد التوظيفى النحوى الأسلوبى ، يقدم الحالة الباطنية للشاعر ، حيث تتواصل النزعة الشعورية ، للجمل بفضل فعالية العطف ، ويصبح الطريق محلا زمنيا ، يملك القدرة على المعاناة ، ويصبح مصدرا من مصادر العذاب ، بعد أن تحول من معناه الموضوعى ، إلى المعنى الرمزى الاستعارى ، حيث حل محل الواقع ، وأصبح معبرا عن إشكالياته ، ومرسلا عذاباته النفسية والوجدانية .
والدلالة التى وردت فيها الحالة النفسية ، التى تمثل الشاعر ، هى دلالة الحال المنصوب ، صاحب العلاقة الدائمة ، التى لاتفارق النفس والواقع والضمير ، وذلك يوضح الدلالات ومدى ارتباطها ، بالعلاقات الثلاثة التى تمثلت فيها الصورة ، وهى العلاقة الأولى الخارجية ،التى يتعين فيها الألم والحسرة ، والعلاقة الثانية التى يتعين فيها الضمير والنفس ، وما أصابهما من هموم ، والعلاقة الثالثة هى علاقة الفن والإبداع ، وتجلياتهما نصوصا وإبداعا ، يصور ويعكس الحالة الشعورية العامة ، والتى يمكن بواستطها ، أن نقف على بعض مظاهر هذا الأبداع والفن فى النص وعند الشاعر وقد قامت هذه العلاقات على خاصية التشخيص ، واعتبار المعنوى والوجدانى رمزا ، تتجسد فيه معالم هذا التشخيص ، وتنقل الشعور إلى عالم الحقيقة والواقع الذى يمثله النص .
ويقول فى الصورة الأخيرة ، وهى مناجاة ذاتية تعكس كثيرا من خصوصيات النفس الشاعرة ، ولاتقف عند حدود ذلك بل تتعداه إلى ذات المبدع نفسه يقول الشاعر :
من أنباك بأن زهورك تذوى فى ليلة عشقك
أوْ تتهاوى
في غدِكَ المُجهَضِ ندما ؟
والحقيقة أن التأويل المباشر الذى يسير فى الاتجاه السابق ، يجعل من هذا المقطع لقطة شعورية ، تتعين فيها المعاناة الحقيقية التى يواجهها الشاعر ، ليس على مستوى الواقع الخارجى فقط ، وإنما على المستوى النفسى التأثيرى ، الذى يوضح إشكالية الإبداع لديه ، والدلالة الحوارية ، جعلت من النص علاقة متعدية ، تشمل النفس بصورتها الداخلية الخاصة ، وتشمل الحياة بصورتها الخارجية الكلية .
والمتأمل يجد أن الاستفهام على صيغته وحقيقته الموجودة ، فى التركيب ليس عنصرا خارجيا ، يقوم عليه التحاور ، وإنما هو الباطن الذى يستقدمه الشاعر فى حالات كثيرة ،حتى أصبح هو المنوط بالحديث وكشف اللاوعى ، فى مواضع كثيرة .
ويمكن ترجمة الزهور بالقصائد ولحظات الإبداع ، وعلى ذلك يمكن قراءة النص هكذا :
زهورك تذوى فى ليلة عشقك
زهورك تتهاوى فى غدك المجهض
نـد مــــــــا
والمقابلة بين تذوى بمعناها المعجمى " تذبل " ، وبين تتهاوى التى تعتبر مكملة للمعنى فى تذوى ، حيث تعنى السقوط والانهيار ، تدل على صدق الدلالة ، وتدل على أهمية الرمز ، وانفعالات الشاعر .
كذلك المقابلة بين ليلة عشقك ، وبين غدك المجهض ، على مستوى الزمن وعلى مستوى الظرف الإبداعى ، تكشف عن حالات الإبداع التى تعنى، لحظات العشق والإجهاض ، والعشق والإجهاض ، يقدمان العالم الداخلى للشاعر ، ومعاناته ونجاحه وإخفاقه ، كل ذلك محاصر بالندم .
من هنا فإن قصيدة "يومية جرح" تمثل صورة لفظية ونفسية ، تستطيع من خلالها أن تدلف إلى نفس الشاعر ، وتقف على كثير من معالم المعاناة ، التى تمثل التجربة ، وتمثل لحظات العشق ولحظات الإجهاض .
ويمكن أن نصل إلى حقيقة زمنية ، وهى أن أوقات العشق الإبداعى لدى الشاعر ، تكون ليلا ، والأوقات التى تجهض فيها القصائد ، هى الغد برمزيته المستقبلية ، وتلك نزعة لاترى فى الواقع أملا ، ولاتريد مواجهة الغد بمعزل عن الإبداع ، وبمعزل عن تحقيق الذات المبدعة ، التى هى أصل الحياة عند الشاعر ، واعتقد أن هذه القصيدة ، تمثل يومية وتقريرا عن الشاعر ، الذى يمكن تحديده وتعيينه فى الرمز المتعدى "جرح" .
ومما عمق الصورة أن الدلالة الرمزية للكلمات ،" زهورك تذوى " أو تتهاوى " لاتبعد فى دلالتها ، عن الموصوف فى المشبه به ، والمتأمل يجد أن النسبة بين دلالة الفعل وحركته ، تتوافق مع طبيعة الزهور ، ومع طبيعة النفس ،مما يعنى أن التصريح بالمشبه ،قام بدلالة التلميح ، وأن الصورة جاءت تعبيرا عن الواقع الذى يمكن أن يجسد ويشخص كثيرا من مواقف الشاعر .


الهوامش : 1- العمدة لابن رشيق الجزء الأول ًصـ 287

الاثنين، 7 سبتمبر 2009

هى وخيالى عرض وتحليل وقراءة الدكتورنادر أحمد عبدالخالق

قصيدة هى .. وخيالى
الدكتو ر حسين على محمد
عرض وتحليل وقراءة
الدكتور نادر أحمد عبد الخالق


هى .. وخيالى !
هى أضرمت فى عشقها طيفا أليفا
وتباغتت بالجند منى والنبال
هى قد تنام غدا ..
يفاجئها خيالى !
الرياض 19/1/1992





العنوان :
القراءة التصويرية للعنوان فى هذه القصيدة من خلال الصورة الخارجية للنص يمكنها أن تقف على الحالة الداخلية ،التى تعكس الحقائق التى يمكن أن يفرزها النص، وتلك عملية مركبة من الكلمات والتى هى فى أصلها صورا خاصة ، من الشاعر عندما نقترب من تجربته ، على أساس تعيين العلاقات التصويرية ، الواقعة بين الصورة الداخلية ، وحركة الصورة الخارجية للنص ،وهذا يجعلنا نحلق فى حقل التجربة الوجدانية ، من منظور ، أن الشاعر يخلع ذاته وصفته الشعوري على وقائع النص ، وعلى تجلياته ، وأيا كان اتجاه الشاعر ، وأيا كان مذهبه الأدبى ، فإن كلماته لا تستطيع أن تنفى ماسبق ،او تجعل حضوره استثنائيا مرهونا بعوامل مساعدة ليست من أثر الشاعر ، وما يميز شاعرنا ،أنك لا تستطيع أن تحلق فى تجاربه دون أن تحاوره ، ودون أن يكون هناك نزالا شعوريا ،لا يمكنك تجاوزه ، إلا بعد أن تسير فى الاتجاه المضاد له ، حتى يمكن أن تصل إلى الحقيقة الكامنة فى بحر النص.
وقصيدته التى بين أيدينا " هى ..وخيالى " تفرض رؤية حوارية نفسية خاصة هذه الرؤية ، جاءت من التحليل اللغوى للعنوان فـ "هى " مبتدأ ( ضمير منفصل فى محل رفع مبتدأ ) ينشأعلاقة خارجية ، تمد النص بالأفكار والخيالات المتعددة ، خاصة عندما ، نرد هذا الضمير إلى حقيقته ، التى تشير إلى الغائبة ، التى أصبح لها حضورا ضمنيا ورمزيا ، عن طريق المحاورة فى النص ، والتى تفرض وجودا خفيا ، يمكن إدراكه بواسطة الصورة الخارجية ، التى تمثلها هذه الغائبة المتحاورة مع ذات الشاعر، ولأن الضمير من المعارف ، ولا يعد من النكرات ، فإن هذه المعرفة ،تصبح دليلا على الحضور النفسى لهذه المتحاورة ،وأن الشاعر يعلم حقيقتها ، ويعلم أهمية حضورها ، فى الضمير والوجدان ، لذا فإنه يقدم رؤية ذاتية ، تحاصرها النفس ، التى جعلها ترجمة صريحة لهذه المتحاورة ، ومما يؤيد ذلك أن الإسناد أقترن بالخيال ، وأسند هذا الخيال إلى ذات الشاعر نسبة وخطابا ، وهذا يؤيد ماسبق من التحاور بين النفس الشاعرة والخيال الصريح ، ودلالة التعجب التى لحقت بالعنوان تدل على عجب الشاعر ليس من التحاور ، أو المتحاورة بقدر ما هو عجب من عملية التمثيل والاقتحام النفسى الشعورى لهذه النفس .
النص :
يقول الشاعر :
هى أضرمت فى عشقها طيفا أليفا .
وقراءة هذا التركيب الذى يشمل رؤية وحديثا لصورة تقوم على الخيال ، لا يمكن أن يعطى مدلوله ، إلا إذا قدر الغائب فيه ، ودلفنا إلى حقيقة النص الضمنى ، الذى سيقرب الصورة ، ويقف على حقيقة الوصل فى الصورة وهو تركيب يحول الصورة والتجربة إلى مراحل .
المرحلة الأولى :
والحقيقة أن القراءة المقدرة لهذا التركيب هى :
هى ( التى ) أضرمت فى عشقها طيفا ( كان ) أليفا .
وتأويل هذه القراءة الجديدة للتركيب ستقوم على العلاقة القائمة على تأويل المدخلات التقديرية ، ودلالتها الشعورية والنفسية ، من ذلك أن اسم الموصول وما ينشئه من دلالة إسنادية ، بحكم صلة الموصول ، يجعل من النص جوابا وتبريرا ودفاعا عن سبب اشتعال الطيف ، المؤول من حقيقته إلى الحقيقة التى وردعليها فى التركيب ، والفعل الناسخ بما له من قدرة فائقة فى فتح طاقات الحكى والوصف يجعل العملية الحوارية ، مرحلة بعد مرحلة ، أو حالة نتيجة لحالة سابقة ، وتوصيفا لمركبات الطيف ، الذى تحول من لطافته وأنسه إلى ماهو عليه الأن ، من ثورة واشتعال ،وتوهج نفسى وشعورى .

كذلك دلالة :
الفعل أضرم الذى يدل على اشتعال النيران بطريقة مباشرة و دلالة التاء المؤنثة وحقيقة إسنادها إلى الفاعل المجازى ، خاصة إذا علمنا أن العلاقة القائمة هى العلاقة الانحرافية الغير ملاءمة ،يذهب بالصورة إلى مناطق الوجدان والباطن الداخلى ،للشاعر والتجربة .
فى عشقها :
حرف الجر فى يؤدى بجانب وظيفته الأساسية النحوية ، وظيفة استثنائية مساعدة ، حيث يعين المكان ،التى اشتعلت فيه النيران ، وهوالعشق ، والعشق هنا دلالة مجازية ، لا تؤخذ على حقيقتها اللفظية ، مما يجعل المكان والحادثة والاشتعال ، علاقات ظرفية ، لاتدوم طويلا ، ولاترقى إلى درجة من درجات الحس المباشر ، خاصة إذا علمنا أن التأثير قائم على الطيف ،والطيف خيال عابر ،لا يستقر ،ولا يدوم ،وغالبا ما يأتى فى حالة الغفوة ، أو حالة اللاوعى ، وهى هنا حالة ظرفية تتوافق مع دلالات العلاقة الأولى للمعنى المجازى .
والصورة هنا لاتقوم على فرضية الوصف ، بقدر ماتقوم على حقيقة الانفعال النفسى ،الذى يحول الشعور إلى حقيقة ، والحقيقة هنا هى حالة النزال التى أقامها الشاعر بين نفسه الهادئة المستقرة التى تمثل الصورة الخارجية ، وبين نفسه الشاعرة الثائرة ، والعودة إلى دلالة الصلة فى اسم الموصول ( التى ) والفعل الماضى الناسخ للصفة والوظيفة (كان ) تؤيد ذلك .

طيفا أليفا :
دلالة تصويرية توضح التجربة وتقف على أركانها ومحتوياتها وتؤكد على النسبة التحاورية ،التى تسيطر على التركيب ، والاستعارة التصويرية تقوم فى الطيف على انحراف المعنى عن حقيقته وطبيعته ، فالطيف كما سبق وجدان وحالة شعورية ، لايمكن القبض عليها ، وقد ترجمها الشاعر إلى حوارية نفسية دقيقة ، تتخذ من التجربة دليلا على التعبير بالصورة .
ويقول الشاعر فى المرحلة الثانية من النزال ، والتى تمثل الرد والرؤية للموقف والصورة :
وتباغتت بالجند منى والنبال
علاقة الوصل التى أضافتها الواو مع العطف ، من دلالات الحالة النفسية المتواصلة ، ومن علامات المرحلة الثانية ، للحوار والمتحاورين ، موضوعيا وشعوريا ووجدانيا ، والصورة هنا تقوم على معنى المفاجأة ، والمفاجأة دلالة وصفة من دلالات وصفات النزال ، مما يذهب بالحوار إلى مرحلة بعيدة من النفس والشعور ، وتركيب (بالجند منى والنبال ) وحقيقته الاستعارية الغير ملاءمة ،وخصوصية الجمع فى الجند والنبال ، تقف على حقيقة القوة التأثيرية للتجربة ، وتحولها من المعنوى الوجدانى إلى المحسوس المدرك ، أو العكس والصورة هى الأخرى تتواصل ضمنيا مع أصل الصورة السابقة ، من حيث الدلالة والمنطق ، ومن حيث الطبيعة التى أختصت بها الحالة النفسية الشعرية ،للشاعر والنص والحقيقة التى تجمع بينهما .



هى قد تنام غدا ..
يفاجئها خيالى !
والدلالة التى يقوم عليها التركيب هنا ، بجانب دلالة الحكى والقص المباشر هى دلالة التكرار والمعاودة ، لنفس العملية النزالية ، مما يعنى أنها علاقة متواصلة لاتنقطع بأى حال من الأحوال ، وأنها تجربة وصورة ، يتشكلان حسب الرؤية والموقف ، ويصوران الحقيقة الإبداعية لدى الشاعر، وأنها حالة من النزال والمعارك المتواصلة ، والتى لايمكن أن تتوقف أبدا ، ولعل الدلالة الخاصة التى ختم بها الشاعر النص والصورة وهى العلامة التعجبية ، تؤكد على الحيرة والدهشة التى تنتاب النفس الإبداعية ، وتصبح علامة من علاماتها ، وتصبح أيضا عود على بدء ، إذا انتبهنا لدلالة التعجب الأولى والأخيرة فى النص .
والصورة هنا تقوم على نسبة الفعل إلى غير حقيقته ، وإلى قوته الإسنادية ، حيث نسبة النوم إلى غير حقيقته على مستوى المسند والحالة الزمنية الظرفية ، وكذلك نسبة المفاجئة إلى الخيال ، ونسبة الخيال إلى قائله ، دلالة على أن الشاعر لم يغادر نفسه فى هذا النص ، وانه يتوافق معنا ضمنيا فى هذه الرؤية ، من خلال العلاقة التى نشأت بفضل التعجب والدهشة ، منذ بداية النص حتى أخره .







الأحد، 6 سبتمبر 2009

أوراد الفتح قصيدة للدكتور حسين على محمد عرض وقراءة وتحليل د.نادر عبدالخالق

(3)
أوراد الفتح
قصيدة للدكتور حسين على محمد
عرض وتحليل وقراءة
الدكتور نادر أحمد عبد الخالق
"أوراد الفتح " قصيد للدكتور "حسين على محمد " يجمع بين صدق التجربة وبلاغة الصورةالتعبيرية ، فالنظرة الأولى للنص العنوانى تشير إلى مجموعة علاقات ودلالات ، تجمع بين الرغبة والأمل ، وبين ثقافة التوظيف للموروث الشامل الذى يتعدى حدود النفس ، إلى مراقى الخيال الفسيح ، الذى ينطلق فيه الشاعر من حقيقة واقعه متطلعا إلى سماء الفتح ، لعلها تشرق شمسا ، يرى فيها ، مالم يستطع أن يراه فى ضوء الشموس التى تعود عليها ، ولم يجنى منها سوى المعاناة ...والألم..... ولعل من المفيد أن نقف وقفة تاملية أمام "أوراد" الدكتورحسين لغويا وبلاغيا وموضوعيا ،حتى يمكن أن نصل إلى حقيقة هذه الأوراد على المستوى النفسى والاجتماعى .
الدلالة اللغوية
الورد : فى اللغة الجزء يقال : قرأت وردى ، والورد أيضا ضد الصدر، وهو أيضا (الوراد) وهم الذين يردون الماء ،وهو أيضا يوم الحمى الدائرة (1) ، وقد وردت الكلمة جمعا وخلت من المعرفة ، واعتمدت على المعرفة المجاورة التى ألزمتها خصوصية موضوعية ، وتحديدا يمكن تأويلها حسب الإسناد ، وحسب الدلالة التى تنشأ من العلاقة بين المضاف والمضاف إليه ، ولم تسلم كلمة " الفتح " من المرجعية التأولية ، التى تذهب بالصورة التى يحتويها العنوان النص ، من التنبيه على أهمية ذلك الفتح الذى يدعو إليه الشاعر، وتعددية مرجعيته على المستوى النفسى ، وعلى المستوى الاجتماعى ، وعلى المستوى الدينى، وعلى المستوى الشخصى ، إلى أفاق بعيدة حيث تتحقق الأمانى والرغبات، فيقدم لذلك أورادا وحكما خاصة ، يعتقد من خلالها أهميتها بالنسبة للفتح ، وبالنسبة للمصير الذى يفر منه والذى يمثل الواقع ، إلى فلسفة خاصة جدا .
أضف إلى ذلك المعنى التراثى لكلمة "ورد" فى الموروث الدينى والشعبى الثقافى ، وكلاهما نمط من الاختصار للصور ، التى يمكن أن تستدعيها الذاكرة النفسية للقارىء والمتلقى ، حيث تدل كلمة " ورد" فى الدلالة الشعبية والتراثية ، على أهمية الملفوظ ، هذه الأهمية تصل إلى حد التقديس ، وتصل إلى حد الإلتزام بالورد المصرح به ،وذلك لقرب الدلالة الصوفية ،وقرب العلاقة الدينية ، التى يمكن أن تقترب فى مرجعيتها إلى الرمزية الصوفية .
كل هذه التأويلات تجعل من نص العنوان فى قصيدة الشاعر الكبير حسين على محمد ،صورة كبيرة وفضاء تاريخيا ودينيا روحانيا وأخلاقيا متسعا ، يشع بالهمة والدعوة الصريحة لذكرى الفتح ، ومحاولة تكرار هذه الفضيلة ،التى تناسيناها بفعل فاعل ، خارجى وداخلى ، ومن هنا يصبح للنص العنوان صورتين ، لاتقلان فى الأهمية عن النص المتن ، إن لم تتفوق فى انفعالاتها هذه على النص تفوقا ضمنيا ، فإذا لم يصرح الشاعر بشىء بعد هذه الصورة الافتتاحية لكفاه ،إذ ليس بحاجة إلى تقديم الصور التفصيلية التأكيدية ، وذلك من جراء الطاقة الهائلة التى انفعلنا بها ، بواسطة الخيال المركب ،الذى جاء من دلالة كلمة " أوراد " المستعارة بدورها من المعجم التراثى الدينى الصوفى الذى يعكس حضورا شعبيا ثقافيا واسعا .
والمتتبع لحركة الإسناد هنا يقف على العلاقة التى أفرزها التأويل النحوى المقدر وذلك عندما يضاف المحذوف ، ونقف على تأويله، ونقوم بتحليل هذه العلاقات على المستوى الموضوعى واللغوى الذى يبحث فى أصل الدلالات ومرجعياتها على مستوى النص والواقع .
أولا : أوراد الفتح صيغة إضافية مضاف ومضاف إليه .
ثانيا : أوراد الفتح صورة ابتدائية ـ خبرها النص جملة وتفصيلا .
ثالثا :أوراد الفتح صورة خاجية ، والنص صورة تفصيلية ، أو الأولى خاصة والثانية عامة .
ثالثا : والقيام على استحضار المفقود من التركيب وتقديره ، ليس على إطلاقه بقدر ماهو تقدير يقرب من العلاقة والدلالة ، التى ينشأ عنها التأثير النفسى للصورة ، إذ يمكن أن يكون كلمة ، أو ضمير ، الكلمة : تتصف بالاسمية مثل هذا وهذه وتلك ، والضمير يمكن أن يكون هو وهى ... حسب المرجعية والتركيبة الإفرادية ، أو الصيغة الجمعية ، التى يستقيم معها التركيب العنوانى ،وأيا كان الأمر فإن الدلالة تعطى أهمية كبيرة ، لكل مرجعية ، ولكل علاقة يمكن أن تنشأ من هذه المخرجات الموضوعية والنفسية .
الدلالة البلاغية :
الخبر فى الجملة الاسمية ، غالبا مايكون صفة وعلاقة إسنادية ، تنسب مباشرة إلى المسند إليه من حصول الفائدة ، وإتمام المعنى والصورة الاستعارية ، التى نبحث عنها فى العنوان ، تكمن فى العلاقة التى يرسلها الخبر ، ويجعلنا ننفعل بها ، وعلى ذلك فجملة " أوراد الفتح " تقوم أولا على هذه الصفة الإسنادية ، والمتأمل يجد أن الطبيعة الناشئة من تلك العلاقة ، تقوم على اللاملائمة ، والخبر "الفتح" والمبتدأ "أوراد " تتحقق لهما الدلالة بواسطة التشبيه ويمكن الرؤية من خلال التوضيح التالى :
1- أوراد "مبتدأ - 3- لأنه مبتدأ ذو علاقة متعددة ومرجعية تأول بالمشابهة .
ـــــــــــــ = ـــــــــــــــ 2-غير معلوم على مستوى التوجيه 4- الفتح الخبر = الاستعارة
والمقابلة بين الرقم (1) والرقم (4) والرقم (2) والرقم (3) تجعل من المستوى الضمنى للفظ علاقة متعدية ، إلى ذات الشاعر والموضوع ، بفضل الصورة العنوانية ، ومانشأ عنها من وجود علاقات لا تتوافق مع نفسها على المستوى القريب ، من هنا يصبح التأويل الاستعارى أمرا تفرضه الدلالة البلاغية ، ولا يسلم الأمر من هذه المحاولة ، عند التحليل فى ضوء الإضافة لأن المضاف يعرف بالمضاف إليه ، وهنا لاتقوم أية ملاءمة بين المضاف والمضاف إليه ، مما يجعل البيئة الاستعارية مهيأة ، لقبول علاقة تحل محل العلاقة الأصلية ، فمثلا ما الرابط الذى يجمع بين "أوراد" وبين " الفتح " ، الحقيقة لا يوجد رابط حسى ، وعلى ذلك يصبح الرابط المعنوى المقدر أمرا تفرضه الدلالة ، وتفرضه عملية البحث عن التأويل المناسب ، لحركة الكلمة واللفظ المستعمل فى غير معناه ، فمثلا : أوراد = تلاوة = ذكر = ترديد = قراءة = استنفار = استنهاض = تذكير =................
النتيجة = استدعاء لمعنوى يؤدى وظيفة إدراكية محسوسة
كذلك الفتح = تتعدد مرجعياته الموضوعية ، وتختلف مقاصده على المستوى الشخصى الذاتى، وعلى المستوى السياسى والاقتصادى ، والنتيجة الرمزية تغلف المعنى ، وتجعله حائرا بين المنطقية والرغبة ، والخيال ، وذلك راجع إلى وجود المعادل البلاغى الاستعارى .
الدلالة الموضوعية : الدلالة الموضوعية للألفاظ والتراكيب الشعرية ، فى رأى هنا تقوم على ما تبثه الصورة الخارجية للنص ، والصورة الخارجية هنا فى " أوراد الفتح " تفرض عدة مفاهيم ، وذلك لكونها عتبة مهمة يجب اجتيازها ، وعبورها إلى داخل النص ، وتلك العملية من الأهمية بمكان للشاعر والمبدع عموما ، وللقارىء ، فالشاعر والمبدع ، لهما من الدوافع والحوافز ، ما يجعل عملية المرور إلى النص سهلة ميسورة ، بل يجب أن تعتمد على الجذب ، بحيث لايترك القارىء النص ويغادره دون فائدة ، والقارىء أيضا يود أن يفض عتامة النص ، ويقبض على محتوياته ويحلل مكنونه ، وهنا تؤدى الصورة الخارجية ، دورا مهما فى هذه المهمة ، لما لها من حضور وأهمية فى النص الأدبى عموما وهى "الصورة الأساسية المركبة من مجموعة من الأفكار ، الاجتماعية والإنسانية ،والتى تنقل القضايا العامة ،وتحيلها إلى واقع فنى ، متعدد الوجوه والأنماط " ( 2)
ومن الدلالت التى يفرضها نص العنوان فى " أوراد الفتح " الصورة المنتظرة ، لهذه الأوراد والتى ينتظرهاالجميع ، حيث الرغبة فى الفتح قائمة ، على اختلاف رمزيته ومرجعيته السياسية والوطنية والدينية ، وهنا قد بلغ الشاعر ، ذروة البحث عن المكنون ، الذى ينتظره القارىء من خلال أوراد الفتح ، وأعتقد أن النص ومافيه من دلالات وإيحاءات ، ستجعل القارىء ينفعل بالماضى البعيد ، وتمثيله ، وينفعل أيضا بالواقع ، ويحاول الخروج منه إلى آفاق الفتح الذى يطمح إليه .


النص :
هل تقرأ أوراد الفتح
فتعتصر جبالا من برد وحليب ؟
الأهة فى العين وفى الصدر الحزن
وموعد هذا الفجر قريب
.....
هذى دار الآرقم تحتضن الجمع
وتنشأ فردوسا للفقراء
تلقى أحزانك فى الصحراء
تسمو روحك إذ تسمع قرآن الفجر
يرتل
فى الأنحاء
تبصر أوردتك ترسم للماء ميادين
فتخرج نفسك من جب الخوف
لاتخشى حد السيف
روحك تحلم بالحب وبالعصف
تدخل بين شطوط الماء وآفاق الحرف
.... .....
قد أشرقت الشمس صباحا من مكة
فلماذا يرحل هذا العصفور
إلى شرفة قيصر
ومنازل كسرى
يلقى بالنفس القلقة .. فى جوف الشبكة .. ؟! صنعاء 14/9/1985


القراءة والتحليل :
يقول الشاعر فى مستهل القصيدة مخاطبا ذاته أولا ، ومناجيا عصره وزمنه ، وهو يستدعى فى ذلك الصور الحقيقية التى قام عليها الفتح الإسلامى ، مما يضفى على التجربة منذ البداية رهبة وهمة روحية ، ترقى إلى حد الاستنفار والعتاب :
هل تقرأ أوراد الفتح فتعتصر جبالا من برد وحليب ؟
وأسلوب الاستفهام الذى وشمت به الصورة الافتتاحية : " هل تقرأ ... " ، " أوراد الفتح " والاستئثار بالأداة " هل " دون غيرها ، يعد دلالة تؤكد على الأهمية التى يود الشاعر التنبيه عليها ، ودلالة أخرى على قيمة الأسلوب وما نشأ عنه من خلق علاقات متشابكة داخل النص الافتتاحى ، من ذلك أن "هل " تكون لطلب التصديق فقط ، والتصديق هنا محقق ضمنيا فى ضمير الشاعر ، ومالبث أن تحول هذا التصديق إلى فعل عن طريق الفن القولى الشعرى ، الذى يتحول ضمنيا إلى مشروع للنداء ،حسب انفعال الشاعر ، وهويسعى حثيثا وضمنيا ،بواسطة الانفعال إلى حشد وتأييد الأخرين ، لمعايشة هذا الفتح ، وتمثيله ، وقراءة أوراده ، والعلاقة التى تقوم على خاصية التصديق ،تذهب بالصورة إلى معرفة وقوع النسبة ، أو عدم وقوعها ، وهذا يجعل انتظار الاستفهام أمرا معلقا ، على قراءة الفتح ، ومعلقا على حصول النسبة ، التى يريدها الشاعر ، والدلالة التى تنبعث من ذلك أن التأثير النفسى والمعنوى ، قد سيطرا على ذات الشاعر ،ويريد أن ننفعل معه بتلك العملية ، ولأن ذلك على مستوى الوجدان ، فإن السعى الضمنى لعملية التحويل ، أمرا يفرض وجوده ، ويصبح دلالة ، من دلالات النص المأول ، ولم تقف دلالة الاستفهام عند هذا الحد بل تجاوزته إلى العلاقة الناتجة من مجىء الفعل المضارع مقرونا بها ، وتلك خصيصة تختص بها "هل " دون غيرها ، فحينما تدخل "هل" على الفعل المضارع ، تخلصه للاستقبال ، ومعنى ذلك أن السؤال مطروحا لايتوقف مداه ، و لاينتهى فعله أبدا ، طالما أن أوراد الفتح ، لم تقرأ ، والقراءة هنا ، ليست على حقيقتها ، بل تتجاوز ذلك إلى حيز التنفيذ ، وتصبح القراءة هى مركز الذاكرة ، ومناط الحركة الحسية التى تعقب الدلالة المعنوية ، وينتظر منها الفعل الكثير .
والمتأمل فى حركة النص ، هنا يقف على نتيجة مهمة عند شاعرنا الدكتور حسين على محمد وهى القدرة الانفعالية الهائلة ، التى تحول الوجدان من صفته وهيئته المعنوية ، إلى الحركة الحسية ، والقدرة على تمثيل الذات أولا ، وتمثيل المجموع ثانيا من خلال الذات الانفعالية ، والشعر هنا كفن من فنون القول يخرج من حيزه وهيئته المتعارف عليها ، إلى ضرب من ضروب الحياة والواقع ، فيقدم التجربة والصورة فى آن واحد ، فلا تتخلف إحداهما عن الأخرى ، بل إنهما يتساويان حضورا ودلالة ومنطقية .
والنتيجة التصويرية لا تبعد عن ذلك ، بل تؤيد هذه الفكرة والمرجعية ، حيث تصبح النتيجة قائمة على التعقيب المباشر ، والعطف الدلالى ، والإشارة إلى الحسى ، للخلوص إلى المعنوى مرة أخرى .
أنظر قول الشاعر :
فتعتصر جبالا .. من برد وحليب ؟
هذه النتيجة التى تقوم على غير الملاءمة ، وعلى إسناد مجازى تقف أولا على نمط من التصوير الموجه ضمنيا ، حيث يوجه الشاعر حديثه وآلامه ، إلى من هم ، من جنس الفتح ، ومن هم من جنس القراءة ، ومن هم من جنس الاستفهام ، تأمل معى قوله :
من برد وحليب ؟
ومرجعيتها المعلومة سلفا فى الضمير ، و فى الوجدان العربى التى تعينت خصائصه من هنا ، وعندما نقف على حقيقة الفعل " تعتصر " والفاء التى اقترن بها ، ودلالتها فى العطف على وقوع النتيجة الواردة من القراءة ، ومن أهمية الفتح ، ندرك القوة الكامنة فى اللفظ ، وفى دلالة التجربة ، مما يجعل الصورة لاتقوم إلا على الوعى المباشر للفكرة والموضوع . كذلك الوقوف على العلاقة التى تربط الفعل " تعتصر" بالمفعول جبالا... هى علاقة اللاملاءمة ، مما يجعل المعنى منحرفا عن حقيقته ، لأن الجبال لاتعتصر بأى حال من الآحوال ، والشاعر هنا يحاول شحن الضمير النفسى والوجدانى العربى ، بمجموعة انفعالات وطاقات يمكن من خلالها أن يعيد أو يساهم فى إحداث نوعا من التوازن ،و بعث الهمم من جديد . والاستعارة الفعلية والنتائج المترتبة عليها ،هى وسيلة الشاعر ،حيث قدم عن طريقها صورا انحرافية للفتح ، وللأوراد ، ولم تقف الاستعارة عند هذا الحد ، بل تجاوزت ذلك إلى صنع علاقات جمالية ، خيالية حيث استعملت الألفاظ بطريقة تجمع بين الوعى الحسى ، والجمال التعبيرى ، وهى فى كل ذات مرجعية رمزية تعكس المخاطب ،وتقدمه فى أشكال تصويرية دون أن تلقى به صراحة فى وجه المتلقى ، وتلك خصيصة ، الأ سلوب عند الشاعر، ووعيه بأسرار النص الشعرى المصور ، ووعيه بعملية التوظيف . والمتأمل فى تركيب " تعتصر جبالا من برد وحليب " ودلالتها التقديرية المأولة والمنحرفة عن معناها الذى يقدر بـ " أوراد الفتح تعتصر جبالا من برد وحليب " والنسبة هنا لاتتوائم أبدا مع معطيات الصورة من بدايتها حتى نهايتها ، ولا يمكن ان تؤخذ على حقيقتها الظاهرة ، مما يفرض بحثا دؤوبا للدلالات والعلاقات التى تنبعث من الصورة والتجربة .
وتنتقل الصورة من النتيجة الفعلية المأولة والتى افتتح بها النص إلى وصف ملامح الحسرة ، التى تسيطر على كوامن الشاعر ، والتى ينقلها لنا تدريجيا ، بطريق المشاركة الوجدانية يقول :
الأهة فى العين وفى الصدر الحزن وموعد هذا الفجر قريب والمتامل فى هذا المقطع المركب تركيبا نفسيا وشعوريا يقف على عمق الصورة والتجربة فى آن واحد وساعد فى ذلك أن مجموعة الانحرافات التى قامت عليها الصورة تعطى دلالات موضوعية ، وأخرى فنية تصويرية .
الموضوعية :
تعود على الشاعر ، حيث قام بنقل الفعل من معناه الحقيقى خالعا على نفسه صفة التجربة وجاعلا من ذاته صورة ننفعل بها ، ونهتدى بحركتها وانفعالاتها ، وتلك حالة من حالات القياس والتمثيل التصويرى ، التى نبه إليها عبدالقاهر الجرجانى عند حديثه عن الصورة الفنية .
الفنية : وهى تختص بعملية التصوير وتحويلها وتمثيلها ، ونقلها إلى أركان التجربة ، على هيئات مختلفة من الحس والشعور تأمل قوله : " الأهة فى العين " وما فيه من نسب انحرافية بعيدة فى التأويل ، ونقل واستدعاء الحواس لتأدية وظائف ، ليست من خصائصها ، فالأهة مصدرهالا يكون من العين ، وتلك الدلالة الانحرافية ، تعضد من الحس ، وتجعل النظرة منطوقة ، والأهة منظورة وقوله : وفى الصدرالحزن والمتأمل لحرف الجر" فى" ومردوده الوظيفى ، وتأديته لوظيفة استثنائية وهى المعنى الظرفى الذى يعلن عن مكان الأهة ، ويكشف عن مكان الحزن ، والذى أفصح السياق عنهما بـ " العين والصدر " مجازا .
كذلك الأمل فى قوله : وموعد هذا الفجر قريب . وهوأمل قريب بدلالة الإشارة وبدلالة المعنى ذاته ، حيث تسميته بالفجر على سبيل الاستعارة التى يتضمنها معنى الفجر ، حيث النور واليوم الجديد القادم والأمل الذى يؤخذ منهما .
ويستمر هذا الأمل فى تصاعد ونمو لا يتوقف مده حيث ارتبط بالواقع الحقيقى النفسى لبدايات الفتح الأول ، واستلهام التاريخ واستنطاق الأحداث والحقائق ، التى بنيت وقامت عليها الحقائق يقول الشاعر :
هذى دار الآرقم تحتضن الجمع وتنشأ فردوسا للفقراء تلقى أحزانك فى الصحراء تسمو روحك إذ تسمع قرآن الفجر يرتل فى الأنحاء والصورة هنا استدعاء لأيام الدعوة الأولى والاجتماعات التى كان يعقدها المسلمون الأوائل فى دار " الأرقم بن أبى الأرقم " يتلون القرآن الكريم ويبحثون فى أمر الدعوة سرا ، وقد ورد فى الأثر أن هذه الدار " كانت تقع على جبل الصفا ، وقريبة من الكعبة ، وهى الدار التى كان النبى محمد صلى الله عليه وسلم يجلس فيها مع الصحابة يقيمون صلاتهم ، وبقى النبى يدعو فيها إلى الإسلام حتى اكتمل عدد المسلمون أربعين رجلا ، فخرجوا يجهرون بالدعوة إلى الإسلام " .
وعند ربط الصورة بالدلالة التى يحملها العنوان وبالتجربة التى يمكن أن تستخلص من النص ، نجد أن أولا : أوراد الفتح دلالة رمزية تتعلق بالقرأن الكريم ، وتتعلق بتلاوته ، واستلهامه والعمل به ، ثانيا : استدعاء الشخصية الأولى جهادا وقوة وصبرا وإيمانا ، ثالثا : الحالة الشعورية التى يريد الشاعر أن نتعايشها ونتأثر بها ، رابعا : عملية الاستدعاء المركبة ذات الدلالة والمرجعية النفسية والدينية ، حيث يكون الاستدعاء هنا للشخصية على أعلى مستوياتها الإيمانية بداية من الرسول صلى الله عيه وسلم ، مرورا بالصحابة رضى الله عنهم جميعا ، واستدعاء المكان نفسه لما له من رمزية وقدسية كبيرة فى نفوس المسلمين ، من أول الدعوة حتى وقتنا هذا ، فضلا عن الاستدعاءات النفسية والمعنوية الأخرى التى لاتقل عن استدعاء الحدث ذاته .
وقد وفق الشاعر توفيقا كبيرا فى عملية البناء الأسلوبية ، حيث بدأ الصورة مستخدما الاسم " هذا " لما له من خصوصية فى الاستدعاء بالإشارة ومعلوم أنه يستخدم فى الإشارة إلى القريب ، والعملية الإسنادية هنا " المسند والمسند إليه " تؤكد أن الشاعر يشير إلى النتيجة التى ترتبت على هذه الأحداث ، ولا تخفى الصفة العلمية التى جاءت من الإشارة ، وجاءت من استحضار الرمز الإسلامى المتجسد فى "الأرقم" رضى الله عنه ، وفى داره التى شهدت كثيرا من المشاهد النورانية ، والنظر إلى الأفعال :
تحتضن - تنشأ - تلقى - تسمو يقف على الحقيقة والنتيجة ، التى أعلنها الشاعر فى مطلع القصيدة ، والتى تعينت فى " جبال من برد وحليب " ، فالفعل " يحتضن" ونسبته إلى "الدار" على سبيل المجاز ، وكذلك " تنشأ" و" تلقى " و " تسمو" إذا وقفنا على حقيقتها نجد أنها استعارات تسير فى هذا الطريق ، الذى يود الشاعر أن يرسمه لنا ، وأن ندركه عند تلاوة "أوراد الفتح" ، وتلك دعوة واضحة ، على مستوى الذكر والتلاوة ، وعلى مستوى القصيد ، وعلى مستوى الهم العربى والإسلامى،
فالجمع بين الخصوصية الاستعارية والخصوصية الموضوعية ، يمكنه أن يفتح أمام القارىء ، رؤى ومنافذ ، يمكن بواسطتها ، أن يقف على كثير من معالم التجربة عند الشاعر ، وهذ ما أراده الدكتور حسين من تلاوة أوراده ، التى هى أوراد الجنة ، وأوراد الراحة النفسية وأوراد ، الفتح الحسى المعروف ، والفتح المعنوى المدرك بواسطة الوجدان والشعور، والتدرج الفعلى لمعطيات الفتح والتى أشارت إليها مهارة التوظيف لدى الشاعر ، والتى تجسدت فى حركة الفعل ، وانتقالها من حالة إلى أخرى على مستوى الموضوع والنقل والاستعارة ، تدل على أهمية الترابط بين الورد " الذكر" وبين رؤية الشاعر ، وقدرته وثقافته ، التى بنى عليها هذا التدرج ، والذى يتناسب مع ، مع حركة الصورة ، ومع الاعتبارات الدينية الحسية لمعطيات الفتح .
كذلك بمكن أن نقف على علاقات الصورة حينما نوضح النسبة التى عليها الفعل وهى نسبة الاحتضان إلى الدار ، ونسبة إقامة الفردوس إلى الدار ، وهى نسبة استعارية ، تقدم العلاقة التى تقوم عليها التجربة والصورة ، من حيث الوظيفة الفنية والموضوعية للشعر والفن ، وحسبما يريد الشاعر، وحسبما يقتضى الملمح البيانى الإبداعى .
ويقول الشاعر :
إذ تسمع قرآن الفجر يرتل فى الأنحاء وتلك إشارة إلى أن ماسبق من روحانيات وفتوحات ، لن يتحقق دون أن تسمع قرأن الفجر يرتل فى الأنحاء صلاة وأداء ، والصورة السمعية هنا تشير إلى دلالة الفعل ، وتشير إلى دلالة التوظيف للفعل " يسمع" والفعل " يرتل " والعلاقة القائمة بينهما فى هذا الخصوص ، والتى تتطور حسيا حتى تصبح صورة بصرية وحركية أساسها الفعل لا الرؤية والسمع فقط ،فى هذا الشأن الروحى .
والملاحظ أن النسبة هنا تقترب من دلالتها الحقيقية الظاهرة ، على مستوى النص الموضوعى ،وعلى مستوى الشعور والوجدان ، وتلك من دلالات الصدق عند الشاعر حسين على محمد والدلالة التى تنبعث من تركيبة " فى الأنحاء " حيث تجعل من الأنحاء بما لها خصوصية لا تتعين فى جزء محدود، أو تقتصر على منطقة كبيرة أو صغيرة ،بل تمتد لتشمل الفضاء الخارجى شرقا وغربا ، طولا وعرضا ، وذلك راجع إلى دلالة حرف الجر " فى" وخصوصيته فى تعيين المكان والتنبيه إليه كفضاء شامل .
وينتقل الشاعر بواسطة الصورة إلى إنشاء علاقات موازية تدل على صدق العاطفة وحرارة الوجدان ، وأنه لم يقف عند حدود الذكر والترتيل ، بل يتجاوز ذلك إلى معاركة النفس والحياة ، ويتجلى ذلك فى عدة صور جزئية ، تتأزر جميعها ، لتقدم البيان النهائى لأوراد الفتح يقول : تبصر أوردتك ترسم للماء ميادين فتخرج نفسك من جب الخوف لاتخشى حد السيف روحك تحلم بالحب وبالعصف تدخل بين شطوط الماء وآفاق الحرف
والصورة هنا مقرونة بمظاهر الفتح الذى يتمناه الشاعر ، والذى يهفو إليه، وهى صورة خارجية فى المقام الأول ، تقوم على الحركة البصرية ، والحركة الفعلية النهضوية ، وتلك قدرة تتجلى فى بناء العالم الخارجى الإسلامى تمزج بين روح النصر ، وبين الشجاعة كحافز من حوافز النصر، وبين المركبات النفسية الوجدانية .
وينتقل الشاعر إلى الصورة الختامية للنص ، وهى الصورة التى يبنى عليها أحلامه وآماله ودهشته ، وغالبا ما يلجا الشاعر فى صوره النهائية إلى أسلوب الاستفهام ، وهو مايفعله أيضا فى صوره الافتتاحية ، ولذلك دلالة فى تكوين البعدالنفسى المركب من ضمير الشاعر ، ومن وجدان المتلقى الذى يبثه الشعر كثيرا من همم الفتح ، بطريق الأوراد التى تؤدى وظيفة العامل المشترك ، فى الصورة الخارجية ، والداخلية على السواء ، ويتعدى مفهوم الاستفهام فى محيط الصورةإلى نوع من القلق والحيرة والاضطراب ، التى لاتنتهى بنهاية النص بل تظل ممتدة لايتوقف مدها ، وهذه دلالة أخرى على صدق التجربة ،وعلى صدق الحديث .
والبحث فى الصورة هنا يقف على أهمية التجربة عند شاعرنا الكبير ، حيث ينقسم النص إلى حقيقتين ، الأولى : تمثلها الصورة الخارجية التى استلهمت البعد التاريخى الإسلامى ، من بداية الفتح الأول ، مرورا بالأحلام والأمانى ، وما يمكن أن ينتظره المرء من أوراد الفتح ،وما يمكن أن يقوم به من أحداث ومواقف هى من صميم مظاهر الفتح ، ولم تتوقف الصورة الخارجية للنص عند هذا الحد بل تقوم بفتح نافذة ضمنية ومباشرة احيانا لاستلهام قضايا العصر ومشاكله ، مستفيدة من المد الذى أشاعه الاستفهام فى محيط النص ، وفى فضائه الخارجى ، مع وجود مسحة سياسية لا نستطيع إغفالها .
الحقيقة الثانية : التى تمثلها الصورة الداخلية ، التى تتعين فى الألفاظ والتراكيب والجمل ، والأسلوب عامة ، والصور الجزئية البيانية والموضوعية ، ويأتى فى مقدمة ذلك ، الخيال كمعادل نفسى وموضوعى ، تحققت بفضله عملية الاستدعاء ، وتشكيل الدلالات الاستعارية ، التى عمقت من النص ، وجعلت من الموضوع رسالة قوية إلى أبناء الإسلام ، كذلك الحوارات الداخلية ،التى تشكلت منها الرؤية الذاتية ،للفعل والحركة والحقيقة ،التى قام عليها النص كفكرة وكموضوع ، كل ذلك بفضل الصورة ، وموافقتها للتجربة وصدق الهدف والدلالة يقول الشاعر معلنا ظهور النور الذى أعقب تلاوة أوراد الفتح :
قد أشرقت الشمس صباحا من مكة فلماذا يرحل هذا العصفور إلى شرفة قيصر ومنازل كسرى يلقى بالنفس القلقة .. فى جوف الشبكة .. ؟!
والمتامل يجد أن الأسلوب الذى تشكلت منه الصورة الأخيرة الختامية ، يقدم الوجه ، الحقيقى للنص والشاعر ، والقدرة على توظيف الصورة من خلال صدق التجربة ، وصدق الغرض ، والشعور بالمشاركة فى الإصلاح ،كذلك خاصية الرمز الاستعارى ، الذى يكمن فى " العصفور " كمعادل تنحصر فيه ، الرؤية الاستفهامية ، مقابل رمزية "شرفة قيصر " و "منازل كسرى ، وما لهما فى الوجدان العربى من حضور ممتد ، والحقيقة أن ( شرفة – منازل ) ليس على معناه الأول المستقر فى الوجدان ، بل يتواصل مده فى النص والصورة والتجربة إلى بلوغ وقتنا الحاضر دل على ذلك التعبير بقوله : يلقى بالنفس القلقة .. فى جوف الشبكة ..؟! وهو تركيب يختزل فيه الشاعر كثيرا من المشاهد السياسية ، والتنازلات التى يفقدها المسلمون ، فى عصرنا الحاضر ، ولعل التشبيه الذى ورد فيه العصفور والنفس بالفريسة التى تقع فى أسر الصياد ، وتركيب " فى جوف الشبكة " يكشف مدى الإحساس لدى الشاعر باهمية العودة إلى " أوراد الفتح " التى يقف عليها الفتح الذى يمثل النصر .
وفى النهاية يجب الإشارة إلى أن تجربة الدكتور حسين على محمد فى قصيدته " أوراد الفتح " لعب الخيال فيها دورا كبيرا ، فى توصيل الفكرة ، واعتمدت كذلك على الرمز اللغوى المعجمى بطريقة مكثفة ، وهنا يجب الإشارة إلى أن الرمز المستعمل رغم أنه سيطر على مناحى كثيرة فى النص ، إلا أن مرجعيته ، لم تكن تتسم بالغموض أو التيه أو الجرى وراء المفاهيم الغريبة أو المستوردة ، وحلق فى آفاق عربية خالصة ، مما جعل التجربة تستوعب الرمز الدينى التاريخى ، على كافة مستوياته ، فراينا توظيفا دقيقا لشخصية "الأرقم بن أبى الأرقم " وتوظيف لـ "داره " وما لها فى الوجدان الإسلامى من حضور وتقديس ، أيضا وجدنا توظيفا للرمز التصويرى القائم على حركة الفعل ، وحركة النص وانتقالات الصورة ، من عامة إلى خاصة ، ومن كلية إلى جزئية ، ومن خارجية إلى داخلية .
والربط بين دلالة "أوراد الفتح " والأرقم " وميادين الماء " وجب الخوف" ..... وصولا إلى شرفة قيصر " ومنازل " كسرى " ، وغيرها من مركبات النص والتجربة والصورة ، ودلالة كل منهما يقف على جدلية هامة وهى قوة الصورة فى تعيين التجربة والوقوف على ملامح الأبعاد الثقافية التى يتمتع بها منتج النص ، وقدرته فى التعبيروالاستلهام فى أشكال ورموز متعددة ومتنوعة حتى يمكننا أن نحدد اتجاه الشاعر الأدبى ،ونقف على مصادر الصورة والتجربة لديه وسيكون لنا وقفة مع هذه الاستنتاجات فى نهاية البحث إن شاء الله تعالى

الهوامش
ـــــــــــ
1- مختار الصحاح مادة "ورد"
2- الصورة والقصة بحث فى الأركان والعلاقات د. نادر عبدالخالق صـ 45 .


الخميس، 3 سبتمبر 2009

أغنية الدكتورحسين على محمد قراءة وتحليل فى ضوء الصورة والتجربة للدكتور نادر عبدالخالق

أغنية الدكتور حسين على محمد
قراءة وتحليل فى ضوء التجربة والصورة
للدكتور نادرعبدالخالق
أغنية باتساع الجرح
شعر: حسين علي محمد
غنيتُكَ يا وَطنِي
يا جُرحاً متسعاً في أُفقٍ يزعهُ الفلاحُ نخيلاً ولحونا..
تنسابُ بأذنيْكَ عذاباً وأنينا
يا وردةَ حُبٍّ يحملُها العاشقُ
مُكتئباً مطعونا،
أرحلُ في صحرائكَ صوتاً مبتئسا،
من أناتِ يمامكَ في الحقلِ إلى أسرابِ النورسِ
تعدُ بمطرٍ
يأتي من ناحيةِ البحْرِ
وتشهدني أحملُ أكياسَ طحينٍ
للفقراءِ المحرومينْ
يا شيْخاً في الخمسينْ!
مازلتُ أحبُّكَ طِفلاً تقتحمُ العَالمْ
بالنرجسِ والنسرينْ
سَأغنيكَ لحونَ الخلد مليا
وأعيدُ مباهجكَ لتشرقَ روحكَ
ذات سقوطٍ
حاصرنا
في أغنية شتاء المحزونين.‏ الزقازيق 13/11/1980م





العنوان :
جدلية العنوان عند الشاعر حسين على محمد تفرض تعاملا وقراءة من نوع خاص وذلك راجع أولا : إلى ما يمثله العنوان بالنسبة للنص ، حيث يحتوى العنوان نصا داخليا ، يفسر به النص الخارجى المتاح ، وثانيا : لأنه الواجهة الأولى التى ينفذ من خلالها القارىء إلى النص ، وثالثا وهو الذى يجب أن يلتفت إليه التحليل وتعتنى به القراءة ، ان العنوان فى ضوء الصورة ، يمثل فضاء خارجيا يشمل المرجعية والدلالة التى يمكن أن تؤخذ من هذه التركيبة المراوغة ، والتى تكتظ فى أغلب الأحيان بالعديد من الأشكاليات التعبيرية والبيانية التى تسهم فى بناء الصلة بين القارىء والنص .
وحتى يتحقق ذلك فإنه يجب أن نقف على الحقيقة النحوية التى نظم على أساسها النص المصغر العنوان ، والتى ستساعد كثيرا فى توضيح الدلالات والرؤى النفسية والاجتماعية ، التى يمثلها هذا النص .وكذلك الصورة الخارجية التى يقف عليها العنوان وهى تمثل ذات الشاعر والنص والأبعاد الاخرى فى المجتمعات ، وبالتاى معرفة القضايا والأمور الدقيقة فى حياتنا ،وتلك مسألة مهمة جدا لايتوقف نتحها ، فى النص الأول المصغر العنوان ،أو النص الثانى الكبير الموازى .

التركيب اللغوى الذى ورد فيه النص العنوان :
أغنية باتساع الجرح
ولكى يتخطى القارىء هذه الصورة ، يجب أن يقف أمام كلمة " أغنية " بفضائها الممتد الشامل ، وتلك حالة ستسيطر وستفرض حضورها القوى على ذات القارىء وجدانيا وشعوريا فرحا وطربا ، ثم مايلبث القارىء أن ينتقل إلى فضاء متناقضا تماما حينما يصطدم بكلمة "الجرح " التى تحول الشعور مباشرة إلى النقيض ،وتجعل الحالة النفسية غير مستقرة فى الوجدان ، وفى النفس ، ولا ننس الهوة السحيقة التى لصقت با بالجرح وجعلته غير طبيعى ، ممتدا مع هذا التعبير الفضائى الواسع الرؤى والأبعاد ، مما يجعل العلاقة الناتجة عن هذا التركيب لا يمكن أن تتعين فى المعنى الدلالى المعروف للأغنية ،وماتفعله فى النفس والشعور ، وتبقى الدلالة مقصورة على الجرح فقط ،ومن ثم تتراجع الأغنية ،ويبقى صداها المتعلق بالجرح فقط ، وهنا تصبح الصورة الخارجية التى يفرضها العنوان وعلاقاته هى الأكثر حظا وحضورا ويترتب عليها ، دخول النص واجتياز عتبته الأولى والعبور إلى منتهاه محملين بهذا التأثير المباشر للصورة الخارجية ، التى تعكس بطبيعتها صورة مجتمع ،وصورة حياة وقضايا ومشكلات ، يصبح حصرها والحديث عنها أمرا تابعا للنص وصورته الكلية العامة الداخلية والخارجية .
والصورة الخارجية للعنوان ، تتصف بالمراوغة وعدم السكون ، وذلك راجع إلى العلاقات التى تنشأمن ضرورة الصورتين إلى بعضهما البعض وأنهما من التلازم والأهمية ، يمثلان الموجب والسالب ، لكن يصعب تعيين الصفة التى يختص بها كل منهما ،وهذا ما سيبدو فى التحليل اللغوى الذى سننتقل إليه .

والمكون اللغوى هنا قائم ومحقق بداية دون عناء ، إذا اعتبرنا ان العنوان كاملا مبتدأ والنص هوخبره المتمم له الذى تتحقق الفائدة النحوية الخبرية بتبعية كل منهما للأخر كما اشترط النحاة ، وهذا التاويل يعطى دلالة هامة على مستوى الصورة الخارجية ، التى تفرض عدة ضوابط يجب أن تتحقق فى العنوان منهاالدلالة التىتعد مرجعية للنص ،وتكون جسرا بينه وبين الواقع الذى يمثله ،وكذلك الصفة والعلاقة التى تعود على الشاعر ذاته بصفته المنتج الأول لدلالات النص ،والمركب لعلاقاته ، والذى يضفى على الصورة من ثقافته ، فتكون أكثر تمثيلا للواقع والحياة ، أو تكون صورة قريبة تقليدية ، فيها محاكاة أكثر منها رؤية تطورية ، من هنا فإن العلاقة بين العنوان والنص علاقة ترابطية لا يمكن لأحدهما أن يتخلف عن صاحبه ، ولا يمكن للقارىء أن يستعيض بأحدهما عن الأ خر .

والعلاقة التحليلية الأخرى والتى تقوم على التطبيق هى قراءة الصورة النص على اعتبار أنها تحتاج إلى مكمل ، لأنها ناقصة فى ذاتها ، لايمكن ان تعطى مدلولا دون الوقوف على تقدير المحذوف ، و إنابة من يحل محله .
والنظر إلى العنوان بهذه الطريقة تفرض قراءة تأولية أولا ،وتفرض رؤية جديدة فى ضوء التقدير الجديد الذى يمثل علاقة لا يمكن تعيين فحواها ، إلا بهذه الطريقة

اغنية ـــــــــــ علاقة شعورية نفسية
الجرح ــــــــــــ علا قة معاكسة للعلاقة الأولى
اتساع = علاقة وسيطة تتعين اهميتها عند إسنادها
ومن هنا فإن القراءة التأويلية الجديدة ، تصبح رؤية متطورة تخص باطن النص
وهى : هذه أغنية باتساع الجرح
هذه :مبتدأ . خبره : أغنية باتساع الجرح
وقراءة أخرى يفرضها هذا التحليل والتقدير :
" هذه أغنية باتساع الجرح = يتردد صداها ، ويتكرر لحنها "
" ويتجدد سماعها وتأثيرها "
وعلى ذلك فإن القراءة التى يفرضها تصبح أثيرة هذا التأويل ،وقرينة تلك الصورة التى أصبحت أكثر ارتباطا بالصورة الخارجية للنص والتى يتعلق عليها أمالا كبيرة فى رؤية الواقع والعالم الذى يمد الصورة والنص والشاعر بالصور والتراكيب الخاصة، والمتأمل فى مجموعة الإضافات التى أضيفت على النص والصورة والضمير النفسى للشاعر ، يجد أنها وردت فى صيغة المضارع الدائم الرؤى والتصوير مما يجعل هذه الحالة العميقة من الجرح ممتدة ، لاتقف عند حد معين او زمن خاص، وهذا التأويل القائم على استعارة الفعل المضارع ،يمكن أن يستعاض بالزمن الماضى نيابة عنه خاصة أن العملية تقديرية وليست على أصلها ويمكن كذلك استدعاء الزمنين فى آن واحد مما يجعل ، العملية التأثيرية تتعلق بزمنين وحالين وحياتين وعالمين أحدهما مضى ، والأخر ممتد باقى .

وقراءة الزمن الذى صرح به الشاعر فى فضاء النص الموازى يقف على دلالة أن هذه التجربة كانت فى مرحلة متقدمة من حياة الشاعر ،وليست حديثة أو تمثلها قريبا ولذلك بعد يجب التنبيه عليه ،حتى يمكن الوقوف على مدى تطور الصورة لدى الشاعر ،أوثباتها عند منظور ثابت وسيتضح ذلك فى نهاية الدراسة ،عند تحليل التجربة ،والوقوف على مصادر الصورة ومدى ارتباطها بالتجربة ، وتمثيلها لنفس المبدع والمتلقى .


النص :
غنيتُكَ يا وَطنِي
يا جُرحاً متسعاً في أُفقٍ يزرعهُ الفلاحُ نخيلاً ولحونا..
تنسابُ بأذنيْكَ عذاباً وأنينا
يا وردةَ حُبٍّ يحملُها العاشقُ
مُكتئباً مطعونا،

يواجهنا المقطع السابق بتجربة ورؤية بكائية تتجاوز حدود الغناء لتصل إلى التحليق فى آفاق الرثاء المباشر ، ولأن الإسناد هنا يقوم على ثنائية الوطن والشاعر فإن العلاقة الخارجية للشجن النفسى ، تبدو واضحة تصب فى عمق التجربة الشخصية أكثر من الدلالة الوطنية التى يتوارى خلفها الرثاء الوطنى ،وهنا يحتدم الصراع ويصبح واقعا مفروضا،بين ذات الشاعر المتطلعة إلى تحقيق مكانة ووجودا شعريا مغايرا ، وصنع حوارا وطنيا يتوافق مع رؤية الشاعر ، فى تلك المرحلة التى تشكل تجربة منفصلة ، عن التجارب التى جاءت بعدها ،وبين الفن والشعر الذى يسير وفق رؤية فطرية ذاتية متطورة ، حتى أن أوجه الصراع ومظاهره هنا لم تصطدم بذكر الألام الناتجة عن الرثاء ،الذى جاء طربيا كما صرح بذلك الشاعر .
والمتأمل فى قول الشاعر:
ياجرحا متسعا فى أفق يزرعه الفلاح نخيلا ولحونا
وتلك أولى مراحل البناء النفسى للتجربة داخل القصيدة ، ومرحلة من مراحل التقديم للصورة المنعكسة عن التجربة المركبة ، والعلاقة هنا تمتد بداية من العنوان ، فى نفس الكلمات ، مع اختلاف فى التوظيف والتشكيل فالجرح الواسع الممتد ،ليس إلا الوطن ،والمزاوجة بين الجرح والوطن تقوم على النتيجة التى ستنبعث من الصورة
فى أفق يزرعه الفلاح نخيلا وشجونا
حيث تتأكد العلاقة بين الصورة والتجربة فى الرؤية المنطقية الممتدة من الجرح المتسع الذى تشكل افقا وفضاء يشمل الوطن ويتناسب منطقيا مع الاتساع الكبير الذى يتطابق مع الوطن ، ويتجلى وضوحه أكثر فى النتيجة التى لا تقل إدراكا وأهمية حينما يتحول هذا الأفق إلى حقول من النخيل ، وإلى قصائد وأغانى ولحونا على أيدى الشاعر الذى ناب عنه الفلاح ، الذىيؤكد حضوره الرؤية الأولى للصورة من حيث التناسب مع حالة الاستدعاء الوطنية ، ويؤدى أسلوب النداء هو الأخر حالة من التركيب النفسى فضلا عن عملية التحويل التى قام بها فى محيط الصورة .
والنتيجة التى وصل إليها الشاعروالتى تتعلق برؤيته وتعبر عن فجيعته فى وطنه هى
تنسابُ بأذنيْكَ عذاباً وأنينا
وتلك صورة تغوص فى عمق الدلالة النفسية الشخصية أولا ، وتعطى ملمحا لغويا لا يمكن تجاوزه على مستوى التعبير ، حيث تاتى الا ستعارة فى الفعل " تنساب " لا لتصور موقفا شعريا فحسب وإنما لتعبر عن حالة من الصراع الدائم بين اللغة ، والتجربة الشعرية ، والواقع ، وحرف الجر الذى يعين الظرفية المكانية ويجعل التحديد عن طريق الأذنين هو حصارا ومظهرا يتجلى فى عذاب وأنين لم يرقى إلى حد الإعلان الصريح المباشر ،وأعتقد أن تلك مواصفات الشاعر ، التى خلعها على الوطن .
وكذلك التركيب التالى المزدوج الدلالة والذى يعد تكرارا مباشرا للحالة السابقة ، لكنه هنا يأخذ ملمحا عاطفيا وجدانيا يقول الشاعر :
يا وردةَ حُبٍّ يحملُها العاشقُ
مُكتئباً مطعونا،
والأسلوب الذى وردت فيه الجملة الشعرية هو نفس الأسلوب السابق النداء الذى يجعل حالة القرب محققة ليس فيها تكلف ، ومما يؤكد على أن الشاعر يبكى نفسه ويعبر عن هموم ذاتية تعود على الأخرين أن الوطن وردة حب يحملها العاشق لكنه مكتئبا مطعونا ، والأكتئاب والطعن هنا حالتان من التصوير المباشر الصريح الذى يعلن عن تردى كبير ليس لذات الوطن بقدر ماهو فعل حقيقى وقع على إنسان هذا الوطن .
والصورة الحركية التاية تفصح عن هذا الفعل المتردى يقول الشاعر :
أرحلُ في صحرائكَ صوتاً مبتئسا،
من أناتِ يمامكَ في الحقلِ إلى أسرابِ النورسِ
تعدُ بمطرٍ
يأتي من ناحيةِ البحْرِ
وتشهدني أحملُ أكياسَ طحينٍ
للفقراءِ المحرومينْ
وعملية التحويل هنا لم تختلف عن السابق حيث يقوم التصوير بأداء وظيفة نفسية تبدو متحركة فى مظهرها المعتمد على الفعل الضارب فى المستقبل لكنها تأخذ شكلا معنويا يتحقق به التحويل من الحسى إلى المعنوى من الحركة إلى السكون إلى الوصف الداخلى الدقيق للمشاعر التى تشكلت بفعل الهم الوطنى .
والشاعر هنا لا يقف عند حدود الغناء الرثائى لا يتجاوزه ، بل يتعدى ذلك إلى الحديث عن المحرومين والفقراء وهوحديث مقرون بآلام الحاجة والفعل هنا لا يقف عند حدود فاصلة بل يسير وفق حالة من التصوير الذى جاء ممزوجا بأشكال تعبيرية حركية وبصرية ،تمزج بين الفعل الخارجى والأثر النفسى .

يا شيْخاً في الخمسينْ!
مازلتُ أحبُّكَ طِفلاً تقتحمُ العَالمْ
بالنرجسِ والنسرينْ
سَأغنيكَ لحونَ الخلد مليا
وأعيدُ مباهجكَ لتشرقَ روحكَ
ذات سقوطٍ
حاصرنا
في أغنية شتاء المحزونين.‏
المتأمل فى سياق هذا المقطع يدرك أن عملية التحويل التى دائما ما يؤديها الشاعر بيسر وسهولة قد جاءت مركبة هنا وتلك حالة من حالات الإبداع التى يتميز بها الدكتورحسين ، فالأمل هنا مظهرا من مظاهر التحول الذى يعود بالنص جملة وتفصيلا إلى حالته الأولى التى انطلق منها ،والتى تضفى على تجربته مصداقية فى الشعور والنقل ، ولا تقف عند حدود التعبير المباشر بل تتعداه ،ورغم مافى الصورة من بكاء وأنين إلا أن هناك املا خافتا يبدو من محاولة الشاعر فى استعادة الحياة من جديد تأمل معى قوله:
وأعيدُ مباهجكَ لتشرقَ روحكَ
وهوتعبير وتركيب لايقف عند حدود النص بل يتعداه إلى وصف الصورة الخارجية التى يسعى إليها الشاعر فى تجربته ، وإن كان هذا الوعد قد قرنه الشاعر بالسقوط ومحاصرته فى اغنية الشتاء ورمزيتها التى لا توحى بالبهجة والإشراق إلا أن حالة التركيب التى ورد فيها النص والتجربة وعبرت الصورة عن فحواه ومظاهره قد عكست الفعل والرغبة الخفية التى ينفعل بها الشاعر ويسعى إلى تحقيقها

الأربعاء، 2 سبتمبر 2009

(1)
العنوان
بحث ودراسة
مجموعة مرارة المشمش
للدكتورة عطيات أبو العينين
انموذجا

الدكتور نادر أحمد عبد الخالق

العنوان:
يمثل العنوان عتبة دقيقة لاتقبل المرور أو التجاوز ،دون توضيح الدلالة ، ودون بيان أهمية هذه الدلالة ، ومدى مرجعيتها داخل النص ، ولأن النص ينقسم إلى صورتين ، الأولى خارجية : تشمل العتبات الأساسية والمساعدة وتشمل الموضوع والفكرة التى يتشكل منها النص فى مجموعه ، وتكون أكثر أهمية عندما تتناول الحدث ودلالته على المستوى الخارجى الذى يفرض وجود علاقات متشابكة مع الواقع ،ويصبح تمثيله للعالم الخارجى أكثرأهمية ،وفائدة للنص والقارىء والكاتب .
والثانية الصورة الداخلية :التى تشمل عناصر النص الأدبى أيا كان نوعه وجنسه ،وهنا فى مجال القصة القصيرة تحتوى الصورة الداخلية الشخصية ، والزمان والمكان ، واللغة ، والوقوف على العلاقات التى يفرضها الواقع الداخلى للنص .
فإن العنوان كعتبة وفاصلة سردية يخضع لأحكام الصورة الخارجية ، من كونه أول ما يواجه القارىء ، وأول ما يجعل الذاكرة النفسية والاجتماعية لديه تنفعل وتبحث عن مدلول ومرجعية ، يستقر بها هذا العنوان فى مخيلته ، وهذا يجعل من القارىء شريكا أساسيا للكاتب ، من حيث المعاناة التى يتعرض لها كل منهما وليس من شك فى أن العنوان كصورة ودلالة وفضاء خارجيا ، يتشكل أول ما يتشكل من اللغة التى تقوم على المرجعية اللفظية ، هذه اللغة تعتمد على قوانين وقواعد النحو بداية ، ثم تدرك فعالياتها بمعرفة المكنون البيانى البلاغى ، الذى يحدد الصفة الشعورية ،والصفة النفسية ، ليس للموضوع فحسب وإنما للكاتب أيضا، وللحياة التى يمثلها .

لذا فإن دراسة الصياغة لها من الأهمية ما يجعلها فى صدارة البحث ، وذلك راجع إلى عملية الربط المباشرة للصورة الخارجية ، وراجع إلى ثقافة الكاتب ،ومدى تمثيله للقضايا والمشكلات ، وما سينتج عن طرحه الأدبى ، الذى يلقى به ثنايا الواقع .
ودائما ما تبحث صيغة العنوان عن الدلالة النحوية التى تبحث هىالأخرى عن مكمل ، ودائما ما يبحث القارىء المعول عليه الفهم والإدراك عن ذلك المكمل ، وغالبا ما يكون تقديريا ، على مستوى النحو والبلاغة . ولذلك دلالة تتعلق الواقع الباطنى للنص ، والصورة التى يمثلها العنوان ، وتلك أقصى درجات الوعى بالمكنون ، خاصة إذا كان التركيب العنوانى كلمة ، أو شيئا مراوغا ، أو رمزا ، كما كان يفعل الكتاب الرمزيين ، أو ما يفعله الأن الكتاب الذين يبحثون عن المرجعية التجارية التى تروج للمنتج ، بصفته خاضعا لمقاييس العر ض التجارى ، الذى يجذب القارىء .
من هنا يمكن النظر للعنوان على أنه :
أولا :عتبة سردية خارجية تبحث عن تأويل متعدد .
ثانيا : صيغة نحوية تعتمد على غياب إحدى مكوناتها .
ثالثا : صورة خاصة جدا يتعين فيها النص كاملا .
رابعا : عملية مشتركة الدلالة بين القارىء والكاتب .

وقراءة العنوان فى مجموعة " مرارة المشمش " للدكتورة عطيات أبو العينين هى مجال التطبيق ، لما تحتويه على متناقضات وتأويلات متعددة ، على مستوى العتبات ، وعلى مستوى الموضوع ، الذى يسير فى اتجاهت كثيرة ، ويطوف فى أماكن تبدو متباعدة فكريا ، لكنها تعبير عن حياة ، وتجربة جاءت بها الكاتبة ،لتؤكد خاصية نفسية ، وأهمية اجتماعية ، يمكنها أن تكشف عن نفسها أولا ، وتكشف عن ملابسات عصرها ، من وجهة نظرها ،أو ما يتراءى لها .


أولا العتبة السردية التى توضح الصورة الخارجية للنص والكاتب:
والقراءة الأولى : للصورة العنوانية كنص موازيا خارجيا وعتبة سردية ، تعد مدخلا وعلامة وتأثيرا يظل ملازما للقارىء من البداية حتى النهاية ، بصفته أول ما يقابل القارىء فى العمل الأدبى كما اتفقنا ، لا تقف على مدلول، أدبى بقدر ماتعطى ، إشارة إلى استعارة رمزية ، تفرض عمقا وبحثا ، ذو طبيعة انحرافية ، حيث النسبة التى تجمع بين الدال والمدلول :
المرارة = الدال
المشمش = مدلول
والجمع بينهما يقف على أن الصورة المستعارة ، هى صورة تركيبية بالدرجة الأولى حيث الجمع بين اللون الأصفر ، لون المشمش المعروف لنا جميعا ، وهى صورة حسية ، وصورة أخرى تتعلق بمذاق المرارة ، على المستوى حاسة التذوق ، وصورة أخرى بعيدة ، لكنها تفرض وجودا من نوع خاص ، وهى المعنى الاستعارى ، للمرارة العضو فى الجسد ، عندما يكون محلا للذكر ، وبعدا نفسيا ، يفرض حالة من الرهبة والخوف .
من هنا فإننا أمام مجموعة علاقات لا تقف عند حدود هذا المعنى الخارجى القريب فقط بل تتعداه إلى عملية قبول هذه التركيبة ، ومدى جدية الاستعارة ، وأحقية التوظيف ، أو عدم قبول هذه التركيبة .
و الحقيقة أن ذلك يرجع إلى ذات الكاتبة ، التى أنشأت هذه الصورة الكلية المركبة ، وبنت عليها مجموعة العلاقات الداخلية والخارجية، واقامت حدودا وفواصل سردية ، هى تفسير لهذه المرارة ، وتأويل لباطنها اولا، وتحليل لمرجعية المشمش كلون وغذاء يقبل عليه الإنسان ومن ثم الخروج بدلالة تقف على هذه المرجعية التى تتحول من تلقاء نفسها إلى مجال الأدب بواسطة الفن القصصى .
وأرى ان نقف على مجموعة العلاقات التى تشكل على اساسها النص المصور داخل العنوان:
العلاقة الأولى الخارجية : التنفير والتحذير ، وهوفعل غير مقبول ، مما يجعل المشاركة إيجابية ، تبحث عن السبب الذى يكمن خلف هذه العلاقة المتناقضة
العلاقة الثانية الداخلية : وهى استعارة التركيب للنص الأدبى ، والذى يعكس مدى انفعال عطيات أبو العينين بالتجربة ومدى تطبيقها ،وتحويلها نصا أدبيا قصصيا ، مع يقينها بعكس النتيجة التى يطرحها العنوان مجردا من الرمز والاستعارة .

ثانيا الصيغة النحوية ودلالة التركيب
ومعالجة العنوان عند عطيات أبو العينين كصورة خارجية فى ضوء البنية النحوية التركيبية ، يقف على حقيقة تتعلق بعمق النص وصاحبته ، حيث تدل القراءة النحوية القريبة ،على أن هناك دالين اثنين ، لا توجد بينهما علاقة فى الضمير الخارجى ، أو التقريب التصويرى ، إلا فى البنية النحوية فقط ولولا وجود العلاقة التى نشأت من وجود المضاف والمضاف إليه ،وما أحدثه من توحد فى التركيب ، ( حتى أصبحت المرارة هى المشمش ، وأصبح المشمش هوالمرارة نفسه ونتج عن ذلك معاناة نفسية وجدانية لغلبة المعادل النفسى على الصورة ومن ثم الركون إلى الصور المعنوية وغلبتها على الصور الحسية ) لفقدت الصورة من قيمتها كثيرا ، حيث أدى وجود هذه العلاقة إلى تعدد الفائدة وانصهار الدال والمدلول فى بعضهما البعض ( المرارة والمشمش) واصبحت الصورة واحدة .
وعملية الاستدعاء التى يمكن أن تقف على حقيقة العنوان هى تقدير المحذوف من النص العنوان ، والذى سيقف على عمق الصورة عند الكاتبة والنص ، وهوهنا المبتدأ وتقديره هذه مرارة المشمش ، والمبتأ المقدر باسم الإشارة هنا يشير إلى عمق هذه المرارة ويضيف لها حضورا وبعدا معنويا ، يقف فى وجه المتلقى أولا بعد أن صدرته الكاتبة مباشرة ، وقد استحضرت فيه مجموعة معادلات بصرية لونية ،وحسية يمكنها أن تصير وتتحول إلى معادل موضوعى مرضى ، خاصة أن الصورة العميقة القابعة خلف التركيب هى الصورة التذوقية ، التى تقرب بين الطعم والمذاق والإحساس بالألم ، الذى يأتى غالبا نتيجة لمرض محس .
كذلك العملية التصويرية التى يتشكل منها النص العنوان لا يمكن أن تغفل البنية التى يتحرك فيها المبتدأ والخبر وإنابة كل منهما عن الأخر ، واهمية التردد داخل نطاق كل منهما نيابة عن الأخر المراوغ ،تبعا للنص ومراوغة صفته فيصبح التركيب المقدر " مرارة المشمش تتكرر " وتجدد ، تتغلغل .... إلى آخره . وهذا التركيب المقدر ستجد صداه داخل المجموعة ، حيث يتعدى مسألة العمق النصى ، إلى ذات الكاتبة ، فيتجلى فى أفكارها ،وشخصياتها ، وقضاياها وتصبح المشكلات النصية الموضوعية الخارجية والداخلية هى ترجمة حقيقية ، لهذا التجدد وهذا التكرار وكذلك التغلغل ، ولا تكون الكاتبة بمنأى عن ذلك ، حيث تصبح هى الأخرى إحدى إفرازات مرارة المشمش .
أضف إلى أن الصيغة التى أضيفت لنص العنوان ، جاءت فى بنية الفعل المضارع ، الذى يجعل من التأثير حالة مسترة لها فعالياتها وصورها التى تتجدد مع تجدد المواقف ، مما يجعل القضية نفسية ذاتية أولا ، متعدية إلى الحياة والواقع ثانيا ، وتصبح مرارة المشمش ليست فى ذاتها فقط بل متعدية هى الاخرى إلى كل من له صلة بالمشمش كطعام ولون ومذاق ورائحة


ثالثا : صورة خاصة يتعين فيها النص كاملا
وتتعين هذه الصورة من رؤية الكاتبة للنص ،ومدى فهمها لعملية التمثيل الحقيقية التى قامت بها وأعطتها اولوية خاصة ، فاستندت إلى مجموعة صور وأفكار رربما تكون رمزية وربما تكون حقيقية وربما تكون من بنات أفكارها وخيالها وربما تكون صورة لها هى على المستوى الشخصى وربما تكون كل ذلك بأكمله ، والتأويل الأخير هو الأقرب إلى تلك العملية التحليلية ، ويمكن رؤية الفواصل الداخلية ،و الموضوعات والأفكار ، ومطابقتها ،والوقوف على تلك القضية المهمة فى مدى علاقة النص بصاحبه ، وهى علاقة لا يمكن تجاوزها بأى حال من الأحوال .

رابعا :عملية مشتركة الدلالة بين الكاتب والقارىء
وقد تحققت تلك العملية منذ الوهلة الأولى والإطلالة الأولى للعنوان ، فلا يمكن أن ينكر أحد وجود الصورة التى تنتج عن المرارة عامة ، وأن نسبة هذه الصورة إلى المشمش بما يمثله فى الضمير والوجدان من أنه منتجا طارئا وليس له مكوثا وديمومة ، يجعل من العملية الانحرافية ، مجالا لفتح باب التأويل ،ومعرفة اعماقه ومدلولاته ، وانعكاس ذلك على الموضوع والعناصر الداخلية التى تصورها الصورة الداخلية ، يقف على كثير من الملامح التى قام عليها النص ، من يمكن ترتيب الفواصل الداخلية وقرائتها حسب منطوق الصورة والواقع ،


الدكتور
نادر أحمد عبدالخالق

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

أنشودة الدكتور حسين على محمد
مرثية أخيرة لعصفور
بين دلالة التجربة وعمق الصورة
للدكتور نادر أحمد عبد الخالق

مرثية أخيرة لعصفور
شعر : حسين على محمد
لم يحمل بين يديه شموس الصيف
لما يركض فى أبهاء الحلم
فلماذا تتعثر خطواته
بين "حروف المد" ؟
ولماذا تنصب فى عينيه فخاخ الخوف ؟
من ينبئه فتوح الغد
نبض لا تطلقه من مكمنه أفراس النرد
تحت جناحك
ليل غواياتك .. يطفىء توق الغد
وبالحب وبالرعديد
وتخشى حد السيف
فكيف ستقتحم ضفاف اللجة
كيف ستعبر هذا السد؟

ديرب نجم 12/4/1985

العنوان : مرثية أخيرة لعصفور
القراءة المتأنية للعنوان تعطى دلالة أن هناك مرثيات كثيرة من قبل لأشياء متعددة حيث أفادت كلمة الأخيرة ، تعددية فعلية سبقت هذا الإعلان الصريح ، وهذه القصيدة من القصائد التى قيلت فى التصنيف الثالث "المستقر الاجتماعى " فى الوطن ،وهذا يؤكد أن عملية الاستقرار ليست محققة ، فإذا كان الرثاء هو موضوع الشاعر فى مستقره وأمنه ، فما هو موضوعه وهو خارج هذا الحيز الامنى ، والإضافة الرمزية التى اختصت بالعصفور ، لما له فى الضمير العام من ذاتية رمزية ، وصورة تعطى علاقة البراءة والحرية والفرح والسرور ، كل هذا يجعل من المعنى القريب للعنوان ، معاينة تطبيقية ، وحالة متحولة ، وتجربة عميقة ، تعود على الشاعر الذى يرثى ذاته وأحواله وعالمه متخذا من العصفور رمزا ،وصورة عاكسة للفعل وتحوله من عمومية الأنسان المعاصر إلى دلالة الغير ملاءمة ،وهذا ينسحب على بنى البشر وليس مقصورا على ذات الشاعر فقط ، وذلك لصفته الأولى الإنسانية المشتركة ،وصفته الثانية المبدعة التى زادته هما على هم ، ومسؤلية دائمة يعبر بها عن نفسه وعن غيره ، أضف إلىذلك حالة الثبات التى وردت فيها الجملة الخبرية ،والتى عمقت من المعنى ، والصقت به صفة الديمومة ، والاسمية الاستعارية التى احالت الاسم الى غير حقيقته ، وكشفت عن شخصية وتجربة الشاعر الكبير فى نقل المعانى والاحساسات ، التى نتأثر بها جميعا ، وتلك خصوصية الافكار الجيدة وميزة الادب الهادف الذى يشارك الناس أحوالهم ، ويلتزم بهم ،ومن هنا ومن خلال تجربة الشاعر الدكتور حسين على محمد يجب المناداة بأن يكون الأدب هو فهم صحيح للمجتمعات ، وتقديم رؤى وعلاقات يمكن بها ،فهم الحقيقة ، وفهم الحياة ،لا تمثيلها فقط ،وإنما قرائتها ومكاشفة أبنائها ،بما يدور حولهم . ومن دلالات العنوان أن الاستعارة فيه ،رغم اسميتها ، إلا انها استعانت بعلاقات بيئية قريبة ،ولم تعتمد على التغريب والغموض. والتفصيل التالى العنوان يوضح هذا المفهوم الدقيق وأطراف العملية الإبداعية:
المرثية الرثاء ـــــــــــــــــــ علاقة خارجية وصورة توظيفية عامة .
العصفور ـــــــــــــــــــ الرمز = الشاعر
الشاعر ـــــــــــــــــــ العلاقة الأصلية الثابتة = العالم الخارجى .
الأخيرة ـــــــــــــــــــ تكرار سابق وعملية متواصلة .
اللغة ـــــــــــــــــــ الإطار الوظيفى الذى يحتوى الشاعر والرمز والضمير
والدلالة الوظيفية اللغوية التى انتهت بالجملة الاسمية
والعلاقة النحوية وما أدت إليه من ثبات العلاقة والصفة
فى صورة إضافية.
النتيجة ـــــــــــــــــــــ الصورة البيانية والاستعارة الاسمية .

والخلاصة أن هناك مجموعة علاقات ودلالات نتجت عن التركيبة التى تشكل منها العنوان هذه العلاقات والدلالات من مجموعها وانسجامها مع بعضها البعض ، يمكن أن تؤدى إلى ما يمكن أن ننادى به ، وهو الأهمية الخاصة للأدب فى ضوء قدرته على تمثيل الحياة والناس والعالم ،ومن ثم فتح طاقات هائلة من التحاور والحديث عن الوقائع والمشكلات الحسية والمعنوية ، وهنا يصبح للصورة مهمة داخلية وخارجية ،حيث تقدم الموضوع على المستوى الخارجى ، وتعالجه فى ضوء الأطر الفنية التى يستخدمها الشعر ، ولايختلف الحال فى الفنون الأخرى عند تمثيلها لنفسها ، وللعالم من حولها داخليا وخارجيا .

النص :
لم يحمل بين يديه شموس الصيف
لما يركض فى أبهاء الحلم
فلماذا تتعثر خطواته
بين "حروف المد" ؟
إن الصورة القريبة للوحة تعتمد على البحث والسؤال ،عن الحالة التى عليها ذلك الرمز ، والنفى الذى تعين بدخول (لم – ولما ) ،وهما للجزم ويختصان بالفعل المضارع ،ويقلبان معناه إلى المضى ، والاستفهام المسبوق بالفاء فى (فلماذا) والظرفية الاستثنائية فى (بين) هذه الأساليب التى تشكلت منها اللوحة اللغوية ، تقف على زمن النص بالنسبة للشاعر وهو زمن سابق وحدث منتهى حيث تحول المضارع من معناه المستمروزمنه الدائم ،إلى واقعة ماضية ،ويأتى الاستفهام ليكشف سر من أسرار الحالة النفسية التى عليها الشاعر ومدى دهشته لهذا الرمز ،ويأتى الظرف ليحقق شيئا من التوازن الزمنى بين الاستفهام والدهشة والتعجب والماضى ليجعل من هذه الحالة أمرا لن يدوم بطبيعة الحال .واللوحة هنا تحتوى على مجموعة صور ، هذه الصور متحركة غير ثابتة ، تشع با بالرمز وتعتمد على الاستعارة والتشبيه ، وتعكس مدى حيرة الشاعر وانقسام مشاعره بين الوصف والدهشة والألم والأمل والاستفهام ، وقبل ان نخوض فى تفسير هذه الصور وتحليل فحواها ، يجب أن نعلم أن الصورة كما يقول إحسان عباس : خلق جديد لعلاقات جديدة " (1) هذه العلاقات تقوم على الحس والشعور والنقل ، وهنا يصبح دور الشاعر مرهونا بالعملية النفسية فى إطار البعد الاجتماعى الذى يغذى التجربة بمجموعة الدفقات التى تحول الفعل الداخلى إلى كلمات وأفكار ورؤى تصويرية تعبيرية ، وليس من شك فى أن ذلك راجع إلى القرة التى يتمتع بها الشاعر والفنان على حد سواء . وهذا النص هونص (ديربى) أبدعه الشاعر فى فترة متقمة من زمنه الثقافى الأول وأقول ذلك لأن دراسة الإبداع يجب أن تكون مقسمة تقسيما زمنيا نفسيا ، حسب المراحل التى يمر بها المبدع ، لأن الرؤية تختلف من عصر إلى آخر ،ومن حياة إلى أخرى ، تقلبا وشعورا ، اجتماعيا وفكريا وسياسيا واقتصاديا ،وقد المحت إلى أهمية ذلك فى مقدمة الدراسة .
والصورة التى بين أيدينا :
لم يحمل بين يديه شموس الصيف
العصفور ـــــــــ لم يحمل = نفى وتحول ــــــ والجزم بذلك
بين يديه ــــــــــ تعبير مجازى يساعد فى نقل الفعل وإجازة النسبة وعدم تعيينها أو تخصيصه للعصفور الرمز أو للشاعرأو لغيرهما مما يجعل التأويل مفتوحا للجميع ولا يقف عند حدود علاقة واحدة . ونسبة اليد ليست من قبيل الحقيقة الغامضة ،أو التشويش ، بقدر ماهى فتح وبناء علاقة تشمل عدة مدخلات ، تعبيرية واستعطافية ونفسية .

شموس الصيف
الصيغة الجمعية التى وردفيها التركيب شموس والإفراد الذى جاء عليه الصيف
(جمع – وإفراد ) نسبة وتناسب ، حقيقة وخيال ، رمز ووهم ، ينفى البحث عن حقيقة التركيب بأكمله ،ولايغرى بالوصول إلى نتيجة حتمية ، وذلك راجع إلى أن العلاقة الأولى التى انبعثت من الصورة ، الأولى للعنوان ، والصورة الافتتاحية الثانية التى ندخل منها على النص ،قد أتاحت هذا التصرف ، وهذا يحسب للشاعر لا عليه ،حيث وضع القارىء فى المنطقة الشعورية التى جعلته يقبل الصورة على إطلاقها ، وهى كما يلى :
العصفور الشموس الصيف
-----------------------------------
لم يحمل
-----------------------------------
بيـن يــديــــــــــــــــــــه
النتيجة : عدم القدرة على تحمل الأعباء والأنتقال إلى مراحل أخرى من المسؤلية فهو مازال غضا طريا لم يقو عوده

لما يركض فى أبهاء الحلم
ولما هنا تقوم على علاقتين الأولى : المعنى الحقيقى لها وهوالقائم على الوظيفة النحوية المتضمنة معنى النفى ، والعلاقة الثانية : وهى الاتصال بالحال مع تضمن معنى النفى ، ولذلك دلالة مهمة على مستوى التحليل ،وهى أنه مازال فى مقتبل الأيام
لما = يركض
--------------------
فى الماضى وفى الحال
----------------------
ازدواجية الزمن مع أحادية الفعل

يركض : الركض تحريك القدم والرجل وهوعلى حقيقته اللغوية ، وهذا يفتح المجال أمام الاستعارة وأهمية توظيفها فى الفعل يركض ولذلك أهمية قصوى فى حركة النص والصورة ، والا ستعارة هنا فعلية ومن خصائص هذه الاستعارة أنهاكما يقول بوفيرو : يكون الفعل استعارة بفاعله اللاحى والجامد بينما ننتظر له فاعلا حيا ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية يكون من خلال طبيعة المفعول إذا كان الفعل متعديا " (2)
والمتأمل فى طبيعة العلاقة التى تربط الفعل يركض بالفاعل العصفور ، يجد أنها علاقة الملاءمة ، كما يدل على ذلك النص ، وإذا اعتبرنا أن العصفور رمز لغيره ،فإن العلاقة هنا ستأخذ بعدا آخر وهو عدم الملاءمة ، إذن نحن أمام نوعين من العلاقات ، هذا التباين يفتح المجال أمام التأويل ، وأمام النص ليكون أكثر مراوغة ، وأكثر انقساما ،ويجعل من انعكاس الحدث والنتيجة ، حالة عامة تعود على الفاعل وعلى الضمير وعلى الرمز .
أبهاء الحلم :
سأترك لنفسى مساحة من التأمل والتعجب وأسأل الدكتور حسين من أين جئت بهذه الصورة ؟ وكيف أنشأتها فى هذا المقام العجيب والبديع فكلمة أبهاء فى صيغة الجمع التى وردت فيها تعنى تعددية المكان ، والمكان هنا إذا نسب إلى العصفور فتلك استعارة دقيقة لاتقبل التنازل عن حقيقتها وقيمتها ، ووإذا نسب المكان إلى رمزية العصفور فتلك استعارة أخرى ، لأن البهو فى اللغة البيت المقدم أمام البيوت كما ورد فى مختار الصحاح مادة "بهو" (3) ونسبة البهو فى حالتها الجمعية إلى الحلم التى تعنى الأناة والتريث ، تعطى انطباعا عن حقيقة الملاءمة، بين المشبه والمشبه به ، ودلالة التركيب كاملا تعطى تصويرا عاما عن هذا العصفور الرمز ومدى صغره ،وخلاصة ذلك أننا أمام صورة ووظيفة ، الصورة هى العلاقات المركبة تركيبا انفعاليا وشعوريا بواسطة اللغة المستعملة ، والوظيفة هى تلك المسؤلية التى يحاول الشاعر تأديتها وهوهنا قام بأمرين الأول إدراكى والثانى شعورى انفعالى ، والصورة هنا صورة حركية منقولة من الحسى إلى المعنوى ، ومن المادى إلى الوجدانى الذى يخاطب النفس أولا ، واعتقد أن ذلك من طبيع التجربة عند الدكتور حسين على محمد أنها تتعلق بالصورة ، ونابعة من تشكيلات وعلاقات يمكن تأويلها فى اتجاهات متعددة .
والمتأمل فى قراءة الاستفهام التالى وسرعة انتقاله المفاجىء من الحس المادى الحركى إلى المعنوى الوجدانى ، يجزم بأن التجربة عند شاعرنا ، تجربة وجدانية ترصد وتنقل وتحول المدرك إلى انفعال وشعور وهى تجربةلا تقوم بغير الصورة ،إذ هىإحدى تكويناتها تأمل معى :
فلماذا تتعثر خطواته
بين "حروف المد" ؟
الاستعارة هنا فى تتعثر خطواته والتى تمثل صورة جزئية مكتملة الأركان جاءت فى صيغة الاستفهام ،وتحققت لها العلاقة الملائمة ، من كون التعثر يكون فى الخطو الذى يعنى المشى ، وبعد ذلك يطرح الشاعر ذلك جانبا حينما يعتمد على الظرف ، وكأن تلك الحالة طارئة ، وأكثر من ذلك حينما ينسب هذا إلى حروف المد المقروءة بصريا ، والتى لاتحتاج إلى خطو حركى
وقوله :
ولماذا تنصب فى عينيه فخاخ الخوف ؟
والعطف موصول هنا والوصل قائم بين الجمل وبالتالى قائم بين الشعور والوجدان والجواب هنا موجه إلى خارج النص ، مما يعنى ان هناك استدعاء للصورة الخارجية التى كانت وراء ، انفعال النص ،وتكوين الصورة .

الاستفهام ـــــــــــ فقان الجواب
الاستعارة ــــــــــــ علاقة انحرافية غير ملاءمة
تنصب ـــــــــــ فعل مضارع له دلالة خاصة وطبيعة استعارية تدل على فعل الشىء وإقامته عنوة وغير مكانه مما يجعل الاستعارة هنا لا تقوم على الملاءمة ويجعلها حالة من الحركة التى تتناسب مع فخاخ عند إزاحة الستار عنها وكشف حقيقتها الأمنية المفقودة .
فى ــــــــــــ العلاقة الظرفية التى تخفف من حدة التوتر .
فخاخ ــــــــــــ كلمة مجموعة تؤكد أن الحالة متعددة شعوريا ووجدانيا وانفعاليا
الخوف ـــــــــــــ وهو أصل العلاقة ومنتهى الشعور وحقيقة المعالجة التى يريد الشاعر أن ينبه إليها فى ظل هذه المعطيات التى أفرزتها الصورة التشكيلية .

تنصب
فى عينيه
فخاخ الخوف
هذا التركيب يأخذنا إلى طبيع الصورة عندالشاعر وهى طبيعة تجمع بين الحس والوجدان بين الشعور العميق والمادى المطلق ، ليس بغرض المحاكاة ، وإنما بقصد النقل والمشاركة فهو يريد منك ألا تكون قارئا فقط ، وإنما يريد منك ، أن تبذل قصارى جهدك لتعرف حقيقة الأمور ، ولا تنسى وأنت فى أثناء ذلك أن تنمى الشعور والوجدان ، وان تنشأ الصور انت ايضا ، ولا تركن إلى الصور الجاهزة ، التى تعطيك النتائج كما كان يفعل كتاب الواقعية من قبل ، حينما كانوا يحاكون الواقع ، دون أن يكون هناك قاسما مشتركا ، بين النص والقارىء ، وبين النص والشاعر ، وبين النص والواقع ، إلا الهموم والأحزان ،والبؤس والتشاؤم ، واعتقد أن الفن عموما والشعر خاصة يستطيع أن ينمى تلك الحاسة ، وان يجمع بين الحقائق والمعارف ، ويوقف القارىء عند ذاته مشاركا متعلما ، يقبل الا رتقاء بوجدانه ومشاعره ، وقد أدى حسين على محمد ذلك بنجاح حينما جمع بين الإبداع والتعبير وفن القول والتصوير ، وبين مايسمى بتنمية الصورة ،وتصدير التجربة إلى القارىء الذى يحتويه جيدا ، فجعله مشاركا فعالا متحركا لاساكنا

من ينبئه فتوح الغد
نبض لا تطلقه من مكمنه أفراس النرد
تحت جناحك
ليل غواياتك .. يطفىء توق الغد
وبالحب وبالرعديد
وتخشى حد السيف
فكيف ستقتحم ضفاف اللجة
كيف ستعبر هذا السد؟
هذه الانفراجة التى تحملها الصورة والتى تقوم على مغادرة حالة شعورية إلى حالة أخرى من الامل والرجاء والحرية هى الاخرى تقف على الحقيقة التى احاول التنبيه عليها فى شعر الدكتور حسين وهى هنا تتشكل فى عملية البحث التى أطلقها الاستفهام ، عن البعد البطولى المنتظر فى حياة العصفور الرمز المنقول والمتحول من حقيقته إلى حقيقة جديدة ، وهى خلق الصورة المتقابلة والتى تمثل قاسمامشتركا بين القارىء وبين الشاعر والنص والمتتبع لفعاليات الصورة أيضا يمكنه أن يقف على بعض التراكيب المصورة والتى يؤكد عليها الشاعر من قصيدة إلى أخرى ، كنوع من التنبيه المستمر دون ، ان يلجأ لمعادل خارجى مستعار من ذلك قوله :
أفراس النرد
وبالحب وبالرعديد
وهى صورلا تخلو من الرشاقة والجدة والنبؤة التى يتميز الشاعر بتوظيفها والاستفادة منها ، على مستوى النص ،وعلى مستوى الفكر الاحتماعى المتطور ، وهى لاتقف عند حدود ذلك فحسب بل تتعداه إلى خلق حالة من التجديد والاستعداد لهذا المتغير الدخيل . وتلك رؤية اعترافية من الشاعر بأن الرثاء عاما وليس مخصصا للعصفور ، مما يجعل فضاء الرمز قائما ينفى مانتج عن التكرار.
وينهى الشاعر مأثورته بالاستفهام والخوف من القادم يقول:
فكيف ستقتحم ضفاف اللجة
كيف ستعبر هذا السد؟
والاقتحام والعبور هنا على غير حقيقته وعلى غير طبيته وهوهنا ليس للعصفور وإنما هو للرمز، كما فى الصورة السابقة
وهذا التحليل يدل على أن الشاعر دائما وأبدا على علاقة بمجتمعه وعالمه الذاتى الداخلى والخارجى هذه العلاقة تتصف بالجدل العميق ،وبا لرؤيا الدقيقة للأمور ، ومن خلالها تنشأ الأفكار والصور ، مما يجعل لكل شاعر خصوصيته فى التعبير ،التى تجعل من تجربته حالة فريدة ، ليس على مستوى الموضوع ،وإنما على مستوى التعبير والشعور ،وهذا بطبيعته ينطبق على الصورة ، حيث تتعين صفاتها تبعا للتجربة ، وتبعا لمعطيات هذه التجربة ، من هنا فإن دراسة الصورة من خلال التجربة أمر أصبح يفرض نفسه ،وهذا ما أفعله فى تجربة الدكتور حسين الإبداعية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فن الشعر إحسان عباس صـ 260
(2) الصورة الشعرية د.صبحى البستانى صـ 82-83
(3) مختار الصحاح مادة بهو