الاثنين، 7 سبتمبر 2009

هى وخيالى عرض وتحليل وقراءة الدكتورنادر أحمد عبدالخالق

قصيدة هى .. وخيالى
الدكتو ر حسين على محمد
عرض وتحليل وقراءة
الدكتور نادر أحمد عبد الخالق


هى .. وخيالى !
هى أضرمت فى عشقها طيفا أليفا
وتباغتت بالجند منى والنبال
هى قد تنام غدا ..
يفاجئها خيالى !
الرياض 19/1/1992





العنوان :
القراءة التصويرية للعنوان فى هذه القصيدة من خلال الصورة الخارجية للنص يمكنها أن تقف على الحالة الداخلية ،التى تعكس الحقائق التى يمكن أن يفرزها النص، وتلك عملية مركبة من الكلمات والتى هى فى أصلها صورا خاصة ، من الشاعر عندما نقترب من تجربته ، على أساس تعيين العلاقات التصويرية ، الواقعة بين الصورة الداخلية ، وحركة الصورة الخارجية للنص ،وهذا يجعلنا نحلق فى حقل التجربة الوجدانية ، من منظور ، أن الشاعر يخلع ذاته وصفته الشعوري على وقائع النص ، وعلى تجلياته ، وأيا كان اتجاه الشاعر ، وأيا كان مذهبه الأدبى ، فإن كلماته لا تستطيع أن تنفى ماسبق ،او تجعل حضوره استثنائيا مرهونا بعوامل مساعدة ليست من أثر الشاعر ، وما يميز شاعرنا ،أنك لا تستطيع أن تحلق فى تجاربه دون أن تحاوره ، ودون أن يكون هناك نزالا شعوريا ،لا يمكنك تجاوزه ، إلا بعد أن تسير فى الاتجاه المضاد له ، حتى يمكن أن تصل إلى الحقيقة الكامنة فى بحر النص.
وقصيدته التى بين أيدينا " هى ..وخيالى " تفرض رؤية حوارية نفسية خاصة هذه الرؤية ، جاءت من التحليل اللغوى للعنوان فـ "هى " مبتدأ ( ضمير منفصل فى محل رفع مبتدأ ) ينشأعلاقة خارجية ، تمد النص بالأفكار والخيالات المتعددة ، خاصة عندما ، نرد هذا الضمير إلى حقيقته ، التى تشير إلى الغائبة ، التى أصبح لها حضورا ضمنيا ورمزيا ، عن طريق المحاورة فى النص ، والتى تفرض وجودا خفيا ، يمكن إدراكه بواسطة الصورة الخارجية ، التى تمثلها هذه الغائبة المتحاورة مع ذات الشاعر، ولأن الضمير من المعارف ، ولا يعد من النكرات ، فإن هذه المعرفة ،تصبح دليلا على الحضور النفسى لهذه المتحاورة ،وأن الشاعر يعلم حقيقتها ، ويعلم أهمية حضورها ، فى الضمير والوجدان ، لذا فإنه يقدم رؤية ذاتية ، تحاصرها النفس ، التى جعلها ترجمة صريحة لهذه المتحاورة ، ومما يؤيد ذلك أن الإسناد أقترن بالخيال ، وأسند هذا الخيال إلى ذات الشاعر نسبة وخطابا ، وهذا يؤيد ماسبق من التحاور بين النفس الشاعرة والخيال الصريح ، ودلالة التعجب التى لحقت بالعنوان تدل على عجب الشاعر ليس من التحاور ، أو المتحاورة بقدر ما هو عجب من عملية التمثيل والاقتحام النفسى الشعورى لهذه النفس .
النص :
يقول الشاعر :
هى أضرمت فى عشقها طيفا أليفا .
وقراءة هذا التركيب الذى يشمل رؤية وحديثا لصورة تقوم على الخيال ، لا يمكن أن يعطى مدلوله ، إلا إذا قدر الغائب فيه ، ودلفنا إلى حقيقة النص الضمنى ، الذى سيقرب الصورة ، ويقف على حقيقة الوصل فى الصورة وهو تركيب يحول الصورة والتجربة إلى مراحل .
المرحلة الأولى :
والحقيقة أن القراءة المقدرة لهذا التركيب هى :
هى ( التى ) أضرمت فى عشقها طيفا ( كان ) أليفا .
وتأويل هذه القراءة الجديدة للتركيب ستقوم على العلاقة القائمة على تأويل المدخلات التقديرية ، ودلالتها الشعورية والنفسية ، من ذلك أن اسم الموصول وما ينشئه من دلالة إسنادية ، بحكم صلة الموصول ، يجعل من النص جوابا وتبريرا ودفاعا عن سبب اشتعال الطيف ، المؤول من حقيقته إلى الحقيقة التى وردعليها فى التركيب ، والفعل الناسخ بما له من قدرة فائقة فى فتح طاقات الحكى والوصف يجعل العملية الحوارية ، مرحلة بعد مرحلة ، أو حالة نتيجة لحالة سابقة ، وتوصيفا لمركبات الطيف ، الذى تحول من لطافته وأنسه إلى ماهو عليه الأن ، من ثورة واشتعال ،وتوهج نفسى وشعورى .

كذلك دلالة :
الفعل أضرم الذى يدل على اشتعال النيران بطريقة مباشرة و دلالة التاء المؤنثة وحقيقة إسنادها إلى الفاعل المجازى ، خاصة إذا علمنا أن العلاقة القائمة هى العلاقة الانحرافية الغير ملاءمة ،يذهب بالصورة إلى مناطق الوجدان والباطن الداخلى ،للشاعر والتجربة .
فى عشقها :
حرف الجر فى يؤدى بجانب وظيفته الأساسية النحوية ، وظيفة استثنائية مساعدة ، حيث يعين المكان ،التى اشتعلت فيه النيران ، وهوالعشق ، والعشق هنا دلالة مجازية ، لا تؤخذ على حقيقتها اللفظية ، مما يجعل المكان والحادثة والاشتعال ، علاقات ظرفية ، لاتدوم طويلا ، ولاترقى إلى درجة من درجات الحس المباشر ، خاصة إذا علمنا أن التأثير قائم على الطيف ،والطيف خيال عابر ،لا يستقر ،ولا يدوم ،وغالبا ما يأتى فى حالة الغفوة ، أو حالة اللاوعى ، وهى هنا حالة ظرفية تتوافق مع دلالات العلاقة الأولى للمعنى المجازى .
والصورة هنا لاتقوم على فرضية الوصف ، بقدر ماتقوم على حقيقة الانفعال النفسى ،الذى يحول الشعور إلى حقيقة ، والحقيقة هنا هى حالة النزال التى أقامها الشاعر بين نفسه الهادئة المستقرة التى تمثل الصورة الخارجية ، وبين نفسه الشاعرة الثائرة ، والعودة إلى دلالة الصلة فى اسم الموصول ( التى ) والفعل الماضى الناسخ للصفة والوظيفة (كان ) تؤيد ذلك .

طيفا أليفا :
دلالة تصويرية توضح التجربة وتقف على أركانها ومحتوياتها وتؤكد على النسبة التحاورية ،التى تسيطر على التركيب ، والاستعارة التصويرية تقوم فى الطيف على انحراف المعنى عن حقيقته وطبيعته ، فالطيف كما سبق وجدان وحالة شعورية ، لايمكن القبض عليها ، وقد ترجمها الشاعر إلى حوارية نفسية دقيقة ، تتخذ من التجربة دليلا على التعبير بالصورة .
ويقول الشاعر فى المرحلة الثانية من النزال ، والتى تمثل الرد والرؤية للموقف والصورة :
وتباغتت بالجند منى والنبال
علاقة الوصل التى أضافتها الواو مع العطف ، من دلالات الحالة النفسية المتواصلة ، ومن علامات المرحلة الثانية ، للحوار والمتحاورين ، موضوعيا وشعوريا ووجدانيا ، والصورة هنا تقوم على معنى المفاجأة ، والمفاجأة دلالة وصفة من دلالات وصفات النزال ، مما يذهب بالحوار إلى مرحلة بعيدة من النفس والشعور ، وتركيب (بالجند منى والنبال ) وحقيقته الاستعارية الغير ملاءمة ،وخصوصية الجمع فى الجند والنبال ، تقف على حقيقة القوة التأثيرية للتجربة ، وتحولها من المعنوى الوجدانى إلى المحسوس المدرك ، أو العكس والصورة هى الأخرى تتواصل ضمنيا مع أصل الصورة السابقة ، من حيث الدلالة والمنطق ، ومن حيث الطبيعة التى أختصت بها الحالة النفسية الشعرية ،للشاعر والنص والحقيقة التى تجمع بينهما .



هى قد تنام غدا ..
يفاجئها خيالى !
والدلالة التى يقوم عليها التركيب هنا ، بجانب دلالة الحكى والقص المباشر هى دلالة التكرار والمعاودة ، لنفس العملية النزالية ، مما يعنى أنها علاقة متواصلة لاتنقطع بأى حال من الأحوال ، وأنها تجربة وصورة ، يتشكلان حسب الرؤية والموقف ، ويصوران الحقيقة الإبداعية لدى الشاعر، وأنها حالة من النزال والمعارك المتواصلة ، والتى لايمكن أن تتوقف أبدا ، ولعل الدلالة الخاصة التى ختم بها الشاعر النص والصورة وهى العلامة التعجبية ، تؤكد على الحيرة والدهشة التى تنتاب النفس الإبداعية ، وتصبح علامة من علاماتها ، وتصبح أيضا عود على بدء ، إذا انتبهنا لدلالة التعجب الأولى والأخيرة فى النص .
والصورة هنا تقوم على نسبة الفعل إلى غير حقيقته ، وإلى قوته الإسنادية ، حيث نسبة النوم إلى غير حقيقته على مستوى المسند والحالة الزمنية الظرفية ، وكذلك نسبة المفاجئة إلى الخيال ، ونسبة الخيال إلى قائله ، دلالة على أن الشاعر لم يغادر نفسه فى هذا النص ، وانه يتوافق معنا ضمنيا فى هذه الرؤية ، من خلال العلاقة التى نشأت بفضل التعجب والدهشة ، منذ بداية النص حتى أخره .







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق