الأحد، 6 سبتمبر 2009

أوراد الفتح قصيدة للدكتور حسين على محمد عرض وقراءة وتحليل د.نادر عبدالخالق

(3)
أوراد الفتح
قصيدة للدكتور حسين على محمد
عرض وتحليل وقراءة
الدكتور نادر أحمد عبد الخالق
"أوراد الفتح " قصيد للدكتور "حسين على محمد " يجمع بين صدق التجربة وبلاغة الصورةالتعبيرية ، فالنظرة الأولى للنص العنوانى تشير إلى مجموعة علاقات ودلالات ، تجمع بين الرغبة والأمل ، وبين ثقافة التوظيف للموروث الشامل الذى يتعدى حدود النفس ، إلى مراقى الخيال الفسيح ، الذى ينطلق فيه الشاعر من حقيقة واقعه متطلعا إلى سماء الفتح ، لعلها تشرق شمسا ، يرى فيها ، مالم يستطع أن يراه فى ضوء الشموس التى تعود عليها ، ولم يجنى منها سوى المعاناة ...والألم..... ولعل من المفيد أن نقف وقفة تاملية أمام "أوراد" الدكتورحسين لغويا وبلاغيا وموضوعيا ،حتى يمكن أن نصل إلى حقيقة هذه الأوراد على المستوى النفسى والاجتماعى .
الدلالة اللغوية
الورد : فى اللغة الجزء يقال : قرأت وردى ، والورد أيضا ضد الصدر، وهو أيضا (الوراد) وهم الذين يردون الماء ،وهو أيضا يوم الحمى الدائرة (1) ، وقد وردت الكلمة جمعا وخلت من المعرفة ، واعتمدت على المعرفة المجاورة التى ألزمتها خصوصية موضوعية ، وتحديدا يمكن تأويلها حسب الإسناد ، وحسب الدلالة التى تنشأ من العلاقة بين المضاف والمضاف إليه ، ولم تسلم كلمة " الفتح " من المرجعية التأولية ، التى تذهب بالصورة التى يحتويها العنوان النص ، من التنبيه على أهمية ذلك الفتح الذى يدعو إليه الشاعر، وتعددية مرجعيته على المستوى النفسى ، وعلى المستوى الاجتماعى ، وعلى المستوى الدينى، وعلى المستوى الشخصى ، إلى أفاق بعيدة حيث تتحقق الأمانى والرغبات، فيقدم لذلك أورادا وحكما خاصة ، يعتقد من خلالها أهميتها بالنسبة للفتح ، وبالنسبة للمصير الذى يفر منه والذى يمثل الواقع ، إلى فلسفة خاصة جدا .
أضف إلى ذلك المعنى التراثى لكلمة "ورد" فى الموروث الدينى والشعبى الثقافى ، وكلاهما نمط من الاختصار للصور ، التى يمكن أن تستدعيها الذاكرة النفسية للقارىء والمتلقى ، حيث تدل كلمة " ورد" فى الدلالة الشعبية والتراثية ، على أهمية الملفوظ ، هذه الأهمية تصل إلى حد التقديس ، وتصل إلى حد الإلتزام بالورد المصرح به ،وذلك لقرب الدلالة الصوفية ،وقرب العلاقة الدينية ، التى يمكن أن تقترب فى مرجعيتها إلى الرمزية الصوفية .
كل هذه التأويلات تجعل من نص العنوان فى قصيدة الشاعر الكبير حسين على محمد ،صورة كبيرة وفضاء تاريخيا ودينيا روحانيا وأخلاقيا متسعا ، يشع بالهمة والدعوة الصريحة لذكرى الفتح ، ومحاولة تكرار هذه الفضيلة ،التى تناسيناها بفعل فاعل ، خارجى وداخلى ، ومن هنا يصبح للنص العنوان صورتين ، لاتقلان فى الأهمية عن النص المتن ، إن لم تتفوق فى انفعالاتها هذه على النص تفوقا ضمنيا ، فإذا لم يصرح الشاعر بشىء بعد هذه الصورة الافتتاحية لكفاه ،إذ ليس بحاجة إلى تقديم الصور التفصيلية التأكيدية ، وذلك من جراء الطاقة الهائلة التى انفعلنا بها ، بواسطة الخيال المركب ،الذى جاء من دلالة كلمة " أوراد " المستعارة بدورها من المعجم التراثى الدينى الصوفى الذى يعكس حضورا شعبيا ثقافيا واسعا .
والمتتبع لحركة الإسناد هنا يقف على العلاقة التى أفرزها التأويل النحوى المقدر وذلك عندما يضاف المحذوف ، ونقف على تأويله، ونقوم بتحليل هذه العلاقات على المستوى الموضوعى واللغوى الذى يبحث فى أصل الدلالات ومرجعياتها على مستوى النص والواقع .
أولا : أوراد الفتح صيغة إضافية مضاف ومضاف إليه .
ثانيا : أوراد الفتح صورة ابتدائية ـ خبرها النص جملة وتفصيلا .
ثالثا :أوراد الفتح صورة خاجية ، والنص صورة تفصيلية ، أو الأولى خاصة والثانية عامة .
ثالثا : والقيام على استحضار المفقود من التركيب وتقديره ، ليس على إطلاقه بقدر ماهو تقدير يقرب من العلاقة والدلالة ، التى ينشأ عنها التأثير النفسى للصورة ، إذ يمكن أن يكون كلمة ، أو ضمير ، الكلمة : تتصف بالاسمية مثل هذا وهذه وتلك ، والضمير يمكن أن يكون هو وهى ... حسب المرجعية والتركيبة الإفرادية ، أو الصيغة الجمعية ، التى يستقيم معها التركيب العنوانى ،وأيا كان الأمر فإن الدلالة تعطى أهمية كبيرة ، لكل مرجعية ، ولكل علاقة يمكن أن تنشأ من هذه المخرجات الموضوعية والنفسية .
الدلالة البلاغية :
الخبر فى الجملة الاسمية ، غالبا مايكون صفة وعلاقة إسنادية ، تنسب مباشرة إلى المسند إليه من حصول الفائدة ، وإتمام المعنى والصورة الاستعارية ، التى نبحث عنها فى العنوان ، تكمن فى العلاقة التى يرسلها الخبر ، ويجعلنا ننفعل بها ، وعلى ذلك فجملة " أوراد الفتح " تقوم أولا على هذه الصفة الإسنادية ، والمتأمل يجد أن الطبيعة الناشئة من تلك العلاقة ، تقوم على اللاملائمة ، والخبر "الفتح" والمبتدأ "أوراد " تتحقق لهما الدلالة بواسطة التشبيه ويمكن الرؤية من خلال التوضيح التالى :
1- أوراد "مبتدأ - 3- لأنه مبتدأ ذو علاقة متعددة ومرجعية تأول بالمشابهة .
ـــــــــــــ = ـــــــــــــــ 2-غير معلوم على مستوى التوجيه 4- الفتح الخبر = الاستعارة
والمقابلة بين الرقم (1) والرقم (4) والرقم (2) والرقم (3) تجعل من المستوى الضمنى للفظ علاقة متعدية ، إلى ذات الشاعر والموضوع ، بفضل الصورة العنوانية ، ومانشأ عنها من وجود علاقات لا تتوافق مع نفسها على المستوى القريب ، من هنا يصبح التأويل الاستعارى أمرا تفرضه الدلالة البلاغية ، ولا يسلم الأمر من هذه المحاولة ، عند التحليل فى ضوء الإضافة لأن المضاف يعرف بالمضاف إليه ، وهنا لاتقوم أية ملاءمة بين المضاف والمضاف إليه ، مما يجعل البيئة الاستعارية مهيأة ، لقبول علاقة تحل محل العلاقة الأصلية ، فمثلا ما الرابط الذى يجمع بين "أوراد" وبين " الفتح " ، الحقيقة لا يوجد رابط حسى ، وعلى ذلك يصبح الرابط المعنوى المقدر أمرا تفرضه الدلالة ، وتفرضه عملية البحث عن التأويل المناسب ، لحركة الكلمة واللفظ المستعمل فى غير معناه ، فمثلا : أوراد = تلاوة = ذكر = ترديد = قراءة = استنفار = استنهاض = تذكير =................
النتيجة = استدعاء لمعنوى يؤدى وظيفة إدراكية محسوسة
كذلك الفتح = تتعدد مرجعياته الموضوعية ، وتختلف مقاصده على المستوى الشخصى الذاتى، وعلى المستوى السياسى والاقتصادى ، والنتيجة الرمزية تغلف المعنى ، وتجعله حائرا بين المنطقية والرغبة ، والخيال ، وذلك راجع إلى وجود المعادل البلاغى الاستعارى .
الدلالة الموضوعية : الدلالة الموضوعية للألفاظ والتراكيب الشعرية ، فى رأى هنا تقوم على ما تبثه الصورة الخارجية للنص ، والصورة الخارجية هنا فى " أوراد الفتح " تفرض عدة مفاهيم ، وذلك لكونها عتبة مهمة يجب اجتيازها ، وعبورها إلى داخل النص ، وتلك العملية من الأهمية بمكان للشاعر والمبدع عموما ، وللقارىء ، فالشاعر والمبدع ، لهما من الدوافع والحوافز ، ما يجعل عملية المرور إلى النص سهلة ميسورة ، بل يجب أن تعتمد على الجذب ، بحيث لايترك القارىء النص ويغادره دون فائدة ، والقارىء أيضا يود أن يفض عتامة النص ، ويقبض على محتوياته ويحلل مكنونه ، وهنا تؤدى الصورة الخارجية ، دورا مهما فى هذه المهمة ، لما لها من حضور وأهمية فى النص الأدبى عموما وهى "الصورة الأساسية المركبة من مجموعة من الأفكار ، الاجتماعية والإنسانية ،والتى تنقل القضايا العامة ،وتحيلها إلى واقع فنى ، متعدد الوجوه والأنماط " ( 2)
ومن الدلالت التى يفرضها نص العنوان فى " أوراد الفتح " الصورة المنتظرة ، لهذه الأوراد والتى ينتظرهاالجميع ، حيث الرغبة فى الفتح قائمة ، على اختلاف رمزيته ومرجعيته السياسية والوطنية والدينية ، وهنا قد بلغ الشاعر ، ذروة البحث عن المكنون ، الذى ينتظره القارىء من خلال أوراد الفتح ، وأعتقد أن النص ومافيه من دلالات وإيحاءات ، ستجعل القارىء ينفعل بالماضى البعيد ، وتمثيله ، وينفعل أيضا بالواقع ، ويحاول الخروج منه إلى آفاق الفتح الذى يطمح إليه .


النص :
هل تقرأ أوراد الفتح
فتعتصر جبالا من برد وحليب ؟
الأهة فى العين وفى الصدر الحزن
وموعد هذا الفجر قريب
.....
هذى دار الآرقم تحتضن الجمع
وتنشأ فردوسا للفقراء
تلقى أحزانك فى الصحراء
تسمو روحك إذ تسمع قرآن الفجر
يرتل
فى الأنحاء
تبصر أوردتك ترسم للماء ميادين
فتخرج نفسك من جب الخوف
لاتخشى حد السيف
روحك تحلم بالحب وبالعصف
تدخل بين شطوط الماء وآفاق الحرف
.... .....
قد أشرقت الشمس صباحا من مكة
فلماذا يرحل هذا العصفور
إلى شرفة قيصر
ومنازل كسرى
يلقى بالنفس القلقة .. فى جوف الشبكة .. ؟! صنعاء 14/9/1985


القراءة والتحليل :
يقول الشاعر فى مستهل القصيدة مخاطبا ذاته أولا ، ومناجيا عصره وزمنه ، وهو يستدعى فى ذلك الصور الحقيقية التى قام عليها الفتح الإسلامى ، مما يضفى على التجربة منذ البداية رهبة وهمة روحية ، ترقى إلى حد الاستنفار والعتاب :
هل تقرأ أوراد الفتح فتعتصر جبالا من برد وحليب ؟
وأسلوب الاستفهام الذى وشمت به الصورة الافتتاحية : " هل تقرأ ... " ، " أوراد الفتح " والاستئثار بالأداة " هل " دون غيرها ، يعد دلالة تؤكد على الأهمية التى يود الشاعر التنبيه عليها ، ودلالة أخرى على قيمة الأسلوب وما نشأ عنه من خلق علاقات متشابكة داخل النص الافتتاحى ، من ذلك أن "هل " تكون لطلب التصديق فقط ، والتصديق هنا محقق ضمنيا فى ضمير الشاعر ، ومالبث أن تحول هذا التصديق إلى فعل عن طريق الفن القولى الشعرى ، الذى يتحول ضمنيا إلى مشروع للنداء ،حسب انفعال الشاعر ، وهويسعى حثيثا وضمنيا ،بواسطة الانفعال إلى حشد وتأييد الأخرين ، لمعايشة هذا الفتح ، وتمثيله ، وقراءة أوراده ، والعلاقة التى تقوم على خاصية التصديق ،تذهب بالصورة إلى معرفة وقوع النسبة ، أو عدم وقوعها ، وهذا يجعل انتظار الاستفهام أمرا معلقا ، على قراءة الفتح ، ومعلقا على حصول النسبة ، التى يريدها الشاعر ، والدلالة التى تنبعث من ذلك أن التأثير النفسى والمعنوى ، قد سيطرا على ذات الشاعر ،ويريد أن ننفعل معه بتلك العملية ، ولأن ذلك على مستوى الوجدان ، فإن السعى الضمنى لعملية التحويل ، أمرا يفرض وجوده ، ويصبح دلالة ، من دلالات النص المأول ، ولم تقف دلالة الاستفهام عند هذا الحد بل تجاوزته إلى العلاقة الناتجة من مجىء الفعل المضارع مقرونا بها ، وتلك خصيصة تختص بها "هل " دون غيرها ، فحينما تدخل "هل" على الفعل المضارع ، تخلصه للاستقبال ، ومعنى ذلك أن السؤال مطروحا لايتوقف مداه ، و لاينتهى فعله أبدا ، طالما أن أوراد الفتح ، لم تقرأ ، والقراءة هنا ، ليست على حقيقتها ، بل تتجاوز ذلك إلى حيز التنفيذ ، وتصبح القراءة هى مركز الذاكرة ، ومناط الحركة الحسية التى تعقب الدلالة المعنوية ، وينتظر منها الفعل الكثير .
والمتأمل فى حركة النص ، هنا يقف على نتيجة مهمة عند شاعرنا الدكتور حسين على محمد وهى القدرة الانفعالية الهائلة ، التى تحول الوجدان من صفته وهيئته المعنوية ، إلى الحركة الحسية ، والقدرة على تمثيل الذات أولا ، وتمثيل المجموع ثانيا من خلال الذات الانفعالية ، والشعر هنا كفن من فنون القول يخرج من حيزه وهيئته المتعارف عليها ، إلى ضرب من ضروب الحياة والواقع ، فيقدم التجربة والصورة فى آن واحد ، فلا تتخلف إحداهما عن الأخرى ، بل إنهما يتساويان حضورا ودلالة ومنطقية .
والنتيجة التصويرية لا تبعد عن ذلك ، بل تؤيد هذه الفكرة والمرجعية ، حيث تصبح النتيجة قائمة على التعقيب المباشر ، والعطف الدلالى ، والإشارة إلى الحسى ، للخلوص إلى المعنوى مرة أخرى .
أنظر قول الشاعر :
فتعتصر جبالا .. من برد وحليب ؟
هذه النتيجة التى تقوم على غير الملاءمة ، وعلى إسناد مجازى تقف أولا على نمط من التصوير الموجه ضمنيا ، حيث يوجه الشاعر حديثه وآلامه ، إلى من هم ، من جنس الفتح ، ومن هم من جنس القراءة ، ومن هم من جنس الاستفهام ، تأمل معى قوله :
من برد وحليب ؟
ومرجعيتها المعلومة سلفا فى الضمير ، و فى الوجدان العربى التى تعينت خصائصه من هنا ، وعندما نقف على حقيقة الفعل " تعتصر " والفاء التى اقترن بها ، ودلالتها فى العطف على وقوع النتيجة الواردة من القراءة ، ومن أهمية الفتح ، ندرك القوة الكامنة فى اللفظ ، وفى دلالة التجربة ، مما يجعل الصورة لاتقوم إلا على الوعى المباشر للفكرة والموضوع . كذلك الوقوف على العلاقة التى تربط الفعل " تعتصر" بالمفعول جبالا... هى علاقة اللاملاءمة ، مما يجعل المعنى منحرفا عن حقيقته ، لأن الجبال لاتعتصر بأى حال من الآحوال ، والشاعر هنا يحاول شحن الضمير النفسى والوجدانى العربى ، بمجموعة انفعالات وطاقات يمكن من خلالها أن يعيد أو يساهم فى إحداث نوعا من التوازن ،و بعث الهمم من جديد . والاستعارة الفعلية والنتائج المترتبة عليها ،هى وسيلة الشاعر ،حيث قدم عن طريقها صورا انحرافية للفتح ، وللأوراد ، ولم تقف الاستعارة عند هذا الحد ، بل تجاوزت ذلك إلى صنع علاقات جمالية ، خيالية حيث استعملت الألفاظ بطريقة تجمع بين الوعى الحسى ، والجمال التعبيرى ، وهى فى كل ذات مرجعية رمزية تعكس المخاطب ،وتقدمه فى أشكال تصويرية دون أن تلقى به صراحة فى وجه المتلقى ، وتلك خصيصة ، الأ سلوب عند الشاعر، ووعيه بأسرار النص الشعرى المصور ، ووعيه بعملية التوظيف . والمتأمل فى تركيب " تعتصر جبالا من برد وحليب " ودلالتها التقديرية المأولة والمنحرفة عن معناها الذى يقدر بـ " أوراد الفتح تعتصر جبالا من برد وحليب " والنسبة هنا لاتتوائم أبدا مع معطيات الصورة من بدايتها حتى نهايتها ، ولا يمكن ان تؤخذ على حقيقتها الظاهرة ، مما يفرض بحثا دؤوبا للدلالات والعلاقات التى تنبعث من الصورة والتجربة .
وتنتقل الصورة من النتيجة الفعلية المأولة والتى افتتح بها النص إلى وصف ملامح الحسرة ، التى تسيطر على كوامن الشاعر ، والتى ينقلها لنا تدريجيا ، بطريق المشاركة الوجدانية يقول :
الأهة فى العين وفى الصدر الحزن وموعد هذا الفجر قريب والمتامل فى هذا المقطع المركب تركيبا نفسيا وشعوريا يقف على عمق الصورة والتجربة فى آن واحد وساعد فى ذلك أن مجموعة الانحرافات التى قامت عليها الصورة تعطى دلالات موضوعية ، وأخرى فنية تصويرية .
الموضوعية :
تعود على الشاعر ، حيث قام بنقل الفعل من معناه الحقيقى خالعا على نفسه صفة التجربة وجاعلا من ذاته صورة ننفعل بها ، ونهتدى بحركتها وانفعالاتها ، وتلك حالة من حالات القياس والتمثيل التصويرى ، التى نبه إليها عبدالقاهر الجرجانى عند حديثه عن الصورة الفنية .
الفنية : وهى تختص بعملية التصوير وتحويلها وتمثيلها ، ونقلها إلى أركان التجربة ، على هيئات مختلفة من الحس والشعور تأمل قوله : " الأهة فى العين " وما فيه من نسب انحرافية بعيدة فى التأويل ، ونقل واستدعاء الحواس لتأدية وظائف ، ليست من خصائصها ، فالأهة مصدرهالا يكون من العين ، وتلك الدلالة الانحرافية ، تعضد من الحس ، وتجعل النظرة منطوقة ، والأهة منظورة وقوله : وفى الصدرالحزن والمتأمل لحرف الجر" فى" ومردوده الوظيفى ، وتأديته لوظيفة استثنائية وهى المعنى الظرفى الذى يعلن عن مكان الأهة ، ويكشف عن مكان الحزن ، والذى أفصح السياق عنهما بـ " العين والصدر " مجازا .
كذلك الأمل فى قوله : وموعد هذا الفجر قريب . وهوأمل قريب بدلالة الإشارة وبدلالة المعنى ذاته ، حيث تسميته بالفجر على سبيل الاستعارة التى يتضمنها معنى الفجر ، حيث النور واليوم الجديد القادم والأمل الذى يؤخذ منهما .
ويستمر هذا الأمل فى تصاعد ونمو لا يتوقف مده حيث ارتبط بالواقع الحقيقى النفسى لبدايات الفتح الأول ، واستلهام التاريخ واستنطاق الأحداث والحقائق ، التى بنيت وقامت عليها الحقائق يقول الشاعر :
هذى دار الآرقم تحتضن الجمع وتنشأ فردوسا للفقراء تلقى أحزانك فى الصحراء تسمو روحك إذ تسمع قرآن الفجر يرتل فى الأنحاء والصورة هنا استدعاء لأيام الدعوة الأولى والاجتماعات التى كان يعقدها المسلمون الأوائل فى دار " الأرقم بن أبى الأرقم " يتلون القرآن الكريم ويبحثون فى أمر الدعوة سرا ، وقد ورد فى الأثر أن هذه الدار " كانت تقع على جبل الصفا ، وقريبة من الكعبة ، وهى الدار التى كان النبى محمد صلى الله عليه وسلم يجلس فيها مع الصحابة يقيمون صلاتهم ، وبقى النبى يدعو فيها إلى الإسلام حتى اكتمل عدد المسلمون أربعين رجلا ، فخرجوا يجهرون بالدعوة إلى الإسلام " .
وعند ربط الصورة بالدلالة التى يحملها العنوان وبالتجربة التى يمكن أن تستخلص من النص ، نجد أن أولا : أوراد الفتح دلالة رمزية تتعلق بالقرأن الكريم ، وتتعلق بتلاوته ، واستلهامه والعمل به ، ثانيا : استدعاء الشخصية الأولى جهادا وقوة وصبرا وإيمانا ، ثالثا : الحالة الشعورية التى يريد الشاعر أن نتعايشها ونتأثر بها ، رابعا : عملية الاستدعاء المركبة ذات الدلالة والمرجعية النفسية والدينية ، حيث يكون الاستدعاء هنا للشخصية على أعلى مستوياتها الإيمانية بداية من الرسول صلى الله عيه وسلم ، مرورا بالصحابة رضى الله عنهم جميعا ، واستدعاء المكان نفسه لما له من رمزية وقدسية كبيرة فى نفوس المسلمين ، من أول الدعوة حتى وقتنا هذا ، فضلا عن الاستدعاءات النفسية والمعنوية الأخرى التى لاتقل عن استدعاء الحدث ذاته .
وقد وفق الشاعر توفيقا كبيرا فى عملية البناء الأسلوبية ، حيث بدأ الصورة مستخدما الاسم " هذا " لما له من خصوصية فى الاستدعاء بالإشارة ومعلوم أنه يستخدم فى الإشارة إلى القريب ، والعملية الإسنادية هنا " المسند والمسند إليه " تؤكد أن الشاعر يشير إلى النتيجة التى ترتبت على هذه الأحداث ، ولا تخفى الصفة العلمية التى جاءت من الإشارة ، وجاءت من استحضار الرمز الإسلامى المتجسد فى "الأرقم" رضى الله عنه ، وفى داره التى شهدت كثيرا من المشاهد النورانية ، والنظر إلى الأفعال :
تحتضن - تنشأ - تلقى - تسمو يقف على الحقيقة والنتيجة ، التى أعلنها الشاعر فى مطلع القصيدة ، والتى تعينت فى " جبال من برد وحليب " ، فالفعل " يحتضن" ونسبته إلى "الدار" على سبيل المجاز ، وكذلك " تنشأ" و" تلقى " و " تسمو" إذا وقفنا على حقيقتها نجد أنها استعارات تسير فى هذا الطريق ، الذى يود الشاعر أن يرسمه لنا ، وأن ندركه عند تلاوة "أوراد الفتح" ، وتلك دعوة واضحة ، على مستوى الذكر والتلاوة ، وعلى مستوى القصيد ، وعلى مستوى الهم العربى والإسلامى،
فالجمع بين الخصوصية الاستعارية والخصوصية الموضوعية ، يمكنه أن يفتح أمام القارىء ، رؤى ومنافذ ، يمكن بواسطتها ، أن يقف على كثير من معالم التجربة عند الشاعر ، وهذ ما أراده الدكتور حسين من تلاوة أوراده ، التى هى أوراد الجنة ، وأوراد الراحة النفسية وأوراد ، الفتح الحسى المعروف ، والفتح المعنوى المدرك بواسطة الوجدان والشعور، والتدرج الفعلى لمعطيات الفتح والتى أشارت إليها مهارة التوظيف لدى الشاعر ، والتى تجسدت فى حركة الفعل ، وانتقالها من حالة إلى أخرى على مستوى الموضوع والنقل والاستعارة ، تدل على أهمية الترابط بين الورد " الذكر" وبين رؤية الشاعر ، وقدرته وثقافته ، التى بنى عليها هذا التدرج ، والذى يتناسب مع ، مع حركة الصورة ، ومع الاعتبارات الدينية الحسية لمعطيات الفتح .
كذلك بمكن أن نقف على علاقات الصورة حينما نوضح النسبة التى عليها الفعل وهى نسبة الاحتضان إلى الدار ، ونسبة إقامة الفردوس إلى الدار ، وهى نسبة استعارية ، تقدم العلاقة التى تقوم عليها التجربة والصورة ، من حيث الوظيفة الفنية والموضوعية للشعر والفن ، وحسبما يريد الشاعر، وحسبما يقتضى الملمح البيانى الإبداعى .
ويقول الشاعر :
إذ تسمع قرآن الفجر يرتل فى الأنحاء وتلك إشارة إلى أن ماسبق من روحانيات وفتوحات ، لن يتحقق دون أن تسمع قرأن الفجر يرتل فى الأنحاء صلاة وأداء ، والصورة السمعية هنا تشير إلى دلالة الفعل ، وتشير إلى دلالة التوظيف للفعل " يسمع" والفعل " يرتل " والعلاقة القائمة بينهما فى هذا الخصوص ، والتى تتطور حسيا حتى تصبح صورة بصرية وحركية أساسها الفعل لا الرؤية والسمع فقط ،فى هذا الشأن الروحى .
والملاحظ أن النسبة هنا تقترب من دلالتها الحقيقية الظاهرة ، على مستوى النص الموضوعى ،وعلى مستوى الشعور والوجدان ، وتلك من دلالات الصدق عند الشاعر حسين على محمد والدلالة التى تنبعث من تركيبة " فى الأنحاء " حيث تجعل من الأنحاء بما لها خصوصية لا تتعين فى جزء محدود، أو تقتصر على منطقة كبيرة أو صغيرة ،بل تمتد لتشمل الفضاء الخارجى شرقا وغربا ، طولا وعرضا ، وذلك راجع إلى دلالة حرف الجر " فى" وخصوصيته فى تعيين المكان والتنبيه إليه كفضاء شامل .
وينتقل الشاعر بواسطة الصورة إلى إنشاء علاقات موازية تدل على صدق العاطفة وحرارة الوجدان ، وأنه لم يقف عند حدود الذكر والترتيل ، بل يتجاوز ذلك إلى معاركة النفس والحياة ، ويتجلى ذلك فى عدة صور جزئية ، تتأزر جميعها ، لتقدم البيان النهائى لأوراد الفتح يقول : تبصر أوردتك ترسم للماء ميادين فتخرج نفسك من جب الخوف لاتخشى حد السيف روحك تحلم بالحب وبالعصف تدخل بين شطوط الماء وآفاق الحرف
والصورة هنا مقرونة بمظاهر الفتح الذى يتمناه الشاعر ، والذى يهفو إليه، وهى صورة خارجية فى المقام الأول ، تقوم على الحركة البصرية ، والحركة الفعلية النهضوية ، وتلك قدرة تتجلى فى بناء العالم الخارجى الإسلامى تمزج بين روح النصر ، وبين الشجاعة كحافز من حوافز النصر، وبين المركبات النفسية الوجدانية .
وينتقل الشاعر إلى الصورة الختامية للنص ، وهى الصورة التى يبنى عليها أحلامه وآماله ودهشته ، وغالبا ما يلجا الشاعر فى صوره النهائية إلى أسلوب الاستفهام ، وهو مايفعله أيضا فى صوره الافتتاحية ، ولذلك دلالة فى تكوين البعدالنفسى المركب من ضمير الشاعر ، ومن وجدان المتلقى الذى يبثه الشعر كثيرا من همم الفتح ، بطريق الأوراد التى تؤدى وظيفة العامل المشترك ، فى الصورة الخارجية ، والداخلية على السواء ، ويتعدى مفهوم الاستفهام فى محيط الصورةإلى نوع من القلق والحيرة والاضطراب ، التى لاتنتهى بنهاية النص بل تظل ممتدة لايتوقف مدها ، وهذه دلالة أخرى على صدق التجربة ،وعلى صدق الحديث .
والبحث فى الصورة هنا يقف على أهمية التجربة عند شاعرنا الكبير ، حيث ينقسم النص إلى حقيقتين ، الأولى : تمثلها الصورة الخارجية التى استلهمت البعد التاريخى الإسلامى ، من بداية الفتح الأول ، مرورا بالأحلام والأمانى ، وما يمكن أن ينتظره المرء من أوراد الفتح ،وما يمكن أن يقوم به من أحداث ومواقف هى من صميم مظاهر الفتح ، ولم تتوقف الصورة الخارجية للنص عند هذا الحد بل تقوم بفتح نافذة ضمنية ومباشرة احيانا لاستلهام قضايا العصر ومشاكله ، مستفيدة من المد الذى أشاعه الاستفهام فى محيط النص ، وفى فضائه الخارجى ، مع وجود مسحة سياسية لا نستطيع إغفالها .
الحقيقة الثانية : التى تمثلها الصورة الداخلية ، التى تتعين فى الألفاظ والتراكيب والجمل ، والأسلوب عامة ، والصور الجزئية البيانية والموضوعية ، ويأتى فى مقدمة ذلك ، الخيال كمعادل نفسى وموضوعى ، تحققت بفضله عملية الاستدعاء ، وتشكيل الدلالات الاستعارية ، التى عمقت من النص ، وجعلت من الموضوع رسالة قوية إلى أبناء الإسلام ، كذلك الحوارات الداخلية ،التى تشكلت منها الرؤية الذاتية ،للفعل والحركة والحقيقة ،التى قام عليها النص كفكرة وكموضوع ، كل ذلك بفضل الصورة ، وموافقتها للتجربة وصدق الهدف والدلالة يقول الشاعر معلنا ظهور النور الذى أعقب تلاوة أوراد الفتح :
قد أشرقت الشمس صباحا من مكة فلماذا يرحل هذا العصفور إلى شرفة قيصر ومنازل كسرى يلقى بالنفس القلقة .. فى جوف الشبكة .. ؟!
والمتامل يجد أن الأسلوب الذى تشكلت منه الصورة الأخيرة الختامية ، يقدم الوجه ، الحقيقى للنص والشاعر ، والقدرة على توظيف الصورة من خلال صدق التجربة ، وصدق الغرض ، والشعور بالمشاركة فى الإصلاح ،كذلك خاصية الرمز الاستعارى ، الذى يكمن فى " العصفور " كمعادل تنحصر فيه ، الرؤية الاستفهامية ، مقابل رمزية "شرفة قيصر " و "منازل كسرى ، وما لهما فى الوجدان العربى من حضور ممتد ، والحقيقة أن ( شرفة – منازل ) ليس على معناه الأول المستقر فى الوجدان ، بل يتواصل مده فى النص والصورة والتجربة إلى بلوغ وقتنا الحاضر دل على ذلك التعبير بقوله : يلقى بالنفس القلقة .. فى جوف الشبكة ..؟! وهو تركيب يختزل فيه الشاعر كثيرا من المشاهد السياسية ، والتنازلات التى يفقدها المسلمون ، فى عصرنا الحاضر ، ولعل التشبيه الذى ورد فيه العصفور والنفس بالفريسة التى تقع فى أسر الصياد ، وتركيب " فى جوف الشبكة " يكشف مدى الإحساس لدى الشاعر باهمية العودة إلى " أوراد الفتح " التى يقف عليها الفتح الذى يمثل النصر .
وفى النهاية يجب الإشارة إلى أن تجربة الدكتور حسين على محمد فى قصيدته " أوراد الفتح " لعب الخيال فيها دورا كبيرا ، فى توصيل الفكرة ، واعتمدت كذلك على الرمز اللغوى المعجمى بطريقة مكثفة ، وهنا يجب الإشارة إلى أن الرمز المستعمل رغم أنه سيطر على مناحى كثيرة فى النص ، إلا أن مرجعيته ، لم تكن تتسم بالغموض أو التيه أو الجرى وراء المفاهيم الغريبة أو المستوردة ، وحلق فى آفاق عربية خالصة ، مما جعل التجربة تستوعب الرمز الدينى التاريخى ، على كافة مستوياته ، فراينا توظيفا دقيقا لشخصية "الأرقم بن أبى الأرقم " وتوظيف لـ "داره " وما لها فى الوجدان الإسلامى من حضور وتقديس ، أيضا وجدنا توظيفا للرمز التصويرى القائم على حركة الفعل ، وحركة النص وانتقالات الصورة ، من عامة إلى خاصة ، ومن كلية إلى جزئية ، ومن خارجية إلى داخلية .
والربط بين دلالة "أوراد الفتح " والأرقم " وميادين الماء " وجب الخوف" ..... وصولا إلى شرفة قيصر " ومنازل " كسرى " ، وغيرها من مركبات النص والتجربة والصورة ، ودلالة كل منهما يقف على جدلية هامة وهى قوة الصورة فى تعيين التجربة والوقوف على ملامح الأبعاد الثقافية التى يتمتع بها منتج النص ، وقدرته فى التعبيروالاستلهام فى أشكال ورموز متعددة ومتنوعة حتى يمكننا أن نحدد اتجاه الشاعر الأدبى ،ونقف على مصادر الصورة والتجربة لديه وسيكون لنا وقفة مع هذه الاستنتاجات فى نهاية البحث إن شاء الله تعالى

الهوامش
ـــــــــــ
1- مختار الصحاح مادة "ورد"
2- الصورة والقصة بحث فى الأركان والعلاقات د. نادر عبدالخالق صـ 45 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق