الأحد، 1 نوفمبر 2009

حوار الدكتور نادرأحمد عبدالخالق مع الشاعر محمد سليم الدسوقى


الحوار

- الشاعر هوالإنسان السابح فى عالم الإبداع شوقا وطربا وألما ووجدا ينشد الخير وينكأ الجراح ليداويها......... هل تتفق معى فى ذلك ؟
- الشاعر محمد سليم الدسوقى من أنت وما الجيل الذى تنتمى إليه؟
هل للشعر أهمية فى حياتنا؟ أم أنه ترفيه وتسلية..و..و... ؟


- نعم أتفق معك فى أن الشاعر بعوالمه الثرة السابحة فى دنيا الإبداع باحثاً عن الخير حيث كان ومسدياً الصحة والعافية لضمادات القلوب وجراحات الدروب فهو الإنسان الذى يقطر قلمه دواءاً لكل داء وشفاءاً لما يعتمل فى اغوار النفس البشرية من جماحات تبللها غلالات الجراح.
- يشرفنى أن أنتمى إلى جيل السبعينيات من القرن الفائت حيث الرواد من الشعراء المخضرمين وحيث أشعار محمود حسن إسماعيل ونذار قبانى وصلاح عبد الصبور وبد شاكر السياب وأمل دنقل وغيرهم من الشعراء.
وحيث تراث السابقين شوقى وحافظ وعلى محمود طه وناجى والجاهليين والإسلاميين كلٌ بقدره وقامته وأساتذة الجيل من تراث المنفلوطى والمازنى والرافعى وطه حسين والقائمة الذهبية طويلةٌ طويلة , وأنا واحد من تلاميذ هؤلاء قرأت لهم لأسير على ذات الدرب وأنتهج ذات النهج.
لهذا ساعدتنى نشأة القرية الغنّاء كثيراً وأيقظنى كُّتاب القرية من وهدة سُباتها العميق.
وكذلك عماد الأزهر الشريف والذى تعلمت فيه حيث تخرجت فى كلية اللغة العربية سنة 1966م.
وعلى منابر الساحة الأدبية حيث كانت بالقاهرة أو الأسكندرية أو بورسعيد أو سائر الأقاليم وفى صحف الداخل والخارج وإذاعاتها .





وعلى مساحة عشرين ديواناً من الشعر الصحيح الفصيح كتبتُ :

01- صلوات على زهرة الصبار.
02- طقوس الليلة الممتدة.
03- الحب فى زمن الرمادة.
04- قطرات العشق الإلهى.
05- شال القطيفة والبندقية.
06- جلاجل الفرس... وردية الإيقاع.
07- تنهدات الريح.
08- وا... زمان الوصل بالأندلس.
09- مواجيدى.
10- تغاريدى.
11- سنوهى... فى بلاد العشق.
12- الشعر يبحثُ عن أمير
13- الوارد العلوي ... طاف .
14- أبابيـــــــــل
15- ريهام نوار الفصول
16- النّهرُ .. صبٌّ لم يزلْ !
17- معاشقُ الهَديلِ والنّخيلِ والمطرْ
18- ياخيلَ اللهِ...اركبى !
19- مولاتى تمطرنى شعراً
20- هللى يا طيوب .
21- أحلى ما كتب محمد سليم الدسوقى من العشق الإلهى إلى عشق الوطن
** مسرح عنترة بين التأصيل والتأويل- دراسة.
-----------------------






ولقد كرمت عدة مرات وحظيت بعضوية رابطة الأدب الحديث واتحاد كتاب مصر ورابطة الأدب الإسلامى العالمية .
- ولا أستطيع أن أقول : إن الشعر رفاهة فقط أو سلوى فقط ولكنه قبل ذلك وبعده أخذٌ باليد إلى منابع الماء ومهاجع الدواء فى مقطوعة حلوة تقدم لك المثل والقدوة وصحوة الفؤاد والضمير وأنشودة الوهاد والخرير وطلقة المدفع التى تخترق صدور الاعداء وتحرس الوطن والزمن من عضال الداء.
وهو نثرة السحابة المقطرة, ونشرة الدعابة المعطرة وهو تاج العروس فى خبائها, ووشوشات السوسنات فى وهادها وهو دندنات الصغير فى المهاد, وصولجانات الكبير فى الجهاد.
وهو دعوات وصلوات عندما تحنو اليواقيت ويرتاح السبات.

س1 للتجربة الأدبية سمات وخصائص يمتاز بها الشاعر عن غيره مامدى صحة ذلك بالنسبة للتجربة العامة لديكم ؟

ج1 يبدأ الشاعر مقلداً فى الكثير من الأحيان ثم تنتابه الاستقلالية الكاملة عندما تنضج عنده التجربة وتستوى تماماً وهنا يقال : إن الشاعر فلان ينهج نهج كذا أو كتابته تجنح إلى كذا حتى يصل به الحال إلى خط معين خاص به هو, وسمات معينة لا ترى إلا فى كتاباته, وتصبح هذه سمته الخاصة التى يعرف بها عند قرائه ونقاده, وحتى إذا قرئ شعره أو أدبه عموماً أمام المتخصصين بدون ذكر اسمه يقال: هذا إبداع فلان..
وقد ذكر ذلك الأستاذ/ عبد المنعم عواد يوسف فى نقده لديوانى (تنهدات الريح)فقد قال: أشهد أن محمد سليم الدسوقى قدم فى هذا الديوان وفى كل ديوان جديد يقدمه شيئاً جديداً يختلف تماماً عن دواوينه السابقة وأنا متابع له .
وأنا فى هذه السمات أتكئ كثيراً على اللغة فى سموها ورفعتها وجزالتها وبلاغتها ولا أفرط فى ذلك سواء فيما كتبتُ من أصالة أو من حداثة.
وكما ذكر الأستاذ/ حزين عمر عندما نشر فى صحيفته "المساء" أننى قد فككتُ اللغز بين الأصالة والحداثة .
كذلك التجديد المستمر للموسيقى وللفكرة والصورة والشعر ومستحدثات العصر فى كل التناولات التى تدخل دنيا الكتابة الأدبية, فأنا أسلم نفسى للقلم الثر الذى يكتب ويرسم الصورة واللغة والفكرة والإيقاع وكل ما تمليه عليه عملية الإبداع وما يكتنز عنده من قراءات ومطالعات منذ الخمسينيات وحتى الآن عملاً بما يقال: إذا لم تستطع أن تجدد فدع القلم واترك الآخرين يجددون.
وفى الباب متسع لمن يقرأ وينقد ويقرر هذه السمات والصفات فى كل دواوينى التى منحنى الله إياها بعيداً عن التكرار والتدليس والمحو والإثبات وتغيير العناوين .
فهى مشروع شعرىٌ متكامل قلت فيه كل ما أريد وكل ما خطر على بال المريد من نجوى إلى الله ومن شدوى إلى الوطن.
كذلك ما وقر فى الخاطر من بلوى ومن بلسم, ومن حلوى وأغاريد فى إطار اللغة وهزهزات الإيقاع.

س2 هل يجب أن ينتمى الشاعر والأديب إلى مذهب أدبى معين أو مدرسة ادبية كالواقعية او الرومانسية أو السريالية ؟ ومامدى قناعتك بهذه الفكرة؟

ج2 مسألة الانتماء هذه مسألة أغلبية.
فالشاعر عندما يكتب لا يدور بخلده إلا فكرته التى تختمر فى وجدانه وتمور فى أعماقه وتراود القلم أن يكتب وأن يقول صارفاً النظر عن السريالية أو الواقعية أو غيرها.
لأنه لو قدر ذلك بدايةً لما كتب شيئاً حتى الشكل الذى يراوده لا يملكه إلا عندما يخرج إلى الوجود, ويصبح كائناً مكتوباً على الورق أو مدسوساً فى حلوق الخواطر والوجدانات, وعندما يتجلى للوجود ويصبح مخلوقاً سوياً نستطيع أن نقرأه وأن نحكم عليه الحكم الصائب ونقول لشاعره ساعتئذٍ : أنت موغل فى الومانسية مثلاً .
ثم نحكم عليه بغلبة عمله وننسبه إلى الصف المدرسى الذى نراه .


س 3 الصورة الأدبية فى القصيدة المعاصرة لاتقف عند حدود التعبير عن الموضوع والفكرة التى يريد الشاعر أن يتناولها فى قصيدته بل تتجاوز ذلك إلى التعبير عن الشاعر نفسه حتى أننا لانرى إلا صورة الشاعر النفسية هى الواضحة فى النص وقد ظهر ذلك عندكم كثيرا فى ديوان الدكتورة ريهام ما دلالة ذلك وبماذا تفسره وهل ذلك من فرط الحزن والجزع ؟

ج3 يقولون: الصورة عندى شديدة التأثير وقوية الوقع خاصة فى ديوان إبنتى الدكتورة ريهام وأنا أوافقك على ذلك فالصورة بشكل عام إذا لم تؤثر فى القارئ أو المتلقى وتهزه من الأعماق هزاً تصبح عديمة الفائدة وتصبح كذلك عبئاً على التجربة ذاتها .
وأذكر عندما بدأت أكتب ديوانى الثانى والثالث "طقوس الليلة الممتدة" و" الحب فى زمن الرمادة" وبتوصية من أخى الدكتور/ حسين على محمد أن أجرب كتابة القصيدة الحديثة فأنا جديرٌ بها كما يقول وقد كنت وقتها أكتب القصيدة العمودية فقط.
وقد فعلت ذلك بعد قراءتى لتجارب عديدة لشعراء كثيرين, خلصتُ خلال الكتابة بمعاناة شديدة أسلمتنى إلى حقيقة ثابتة لا يتصورها من لا يجربونها ويتشبثون فقط بالشكل التقليدى متهمين من يكتبون الشكل التفعيلى بأنهم يستسهلونه وأن الشكل التقليدى جد ثقيل لا يقدر عليه إلى جهابذة اللغة.
وأنا أقول خلاف ذلك وأن القصيدة الحديثة لمن جربها تجربة حقيقية وأعطاها حظها من الصورة والإيقاع حتى تتوهج بين يديه وهنا يستطيع أن يقول: إننى نجحت فى هذه التجربة وأن يقدمها للناس موسيقى عذبة ومتعة فنية " وبنبونى و شيكولاته" للمتلقى كما ذكر أخى الدكتور/ أيمن تعيلب فى نقده لبعض قصائدى فقد قال هذه العبارة: " إن فلان يقدم حلوى للقارئ ملفوفة فى غلائل من حرير " وهذه مسئوليته كناقد كبير.
عندها فقط وبعد التجربة قرأت ما أكتب على الدكتور/ حسين قائلاً : إنها تجربة مرهقة جداً فى إبداعها بالشكل الجيد والمطلوب فضحك ووافقنى على ذلك.
وقد التزمت فى كتاباتى هذا الخط الجيد .
وإذا كانت الصورة فى ديوان ريهام وهو ديوانى الخامس عشر فى غاية الدلالة والخصوصية فأنا أوافقك على فرط الحزن على ما أصاب إبنتى ريهام وإن كنت أختلف معك على أن الجزع عامل من عوامل تلك الخصوصية لأنه لا جزع على الإطلاق قد انتابنى وأنا أكتب هذا الديوان فى بدايات المرض وإن كانت الوفاة قد حدثت بعد ذلك بسنتين ونصف تقريباً وقد كان الأمل والرجاء والإيمان واليقين فى مدد الله تعالى موجوداً فى رحابات الزمان والمكان .
وإذا وُجدت هذه الرجاءات فلا مجال البتة للجزع والخروج عن سمت الإيمان.
ولكان الكلام قد اختلف عن ذلك تماماً.






س4 هل يمكن استخلاص التجربة بواسطة الصورة وهل ينطبق ذلك على التجربة فى ديوان الدكتورة ريهام ؟
ج4 الناقد المتمرس صاحب التجارب العديدة والدرايات البعيدة يستطيع أن يستخلص التجربة الثرية لشاعر ما عندما يبحر فى دراسته واستشفاف ما عنده من هذا العمل الذى يقدم له...أسلوبه ولغته وصورته وفكره خاصة الصورة العميقة عمق وجدانه ورؤيته وتفكيره إذ ليس ثمة شاعر ينتح من هذا الفيض الذاخر فى نفسه دون أن تنضج ثقافته وقراءاته وميوله ومؤثراته وتأثيراته فى الآخرين وإلا كان شعره غير دال على شئ فكأنه غير موجود.
وعندئذ نبحث عن من يدرس هذه الصورة بأبعادها المختلفة وإيحاءاتها المتعددة لنتبين عند من يكمن العيب الذى لا يستطيع أن يشى بالتجربة وأن يستخلصها جلية واضحة للعيان.
وديوان ريهام موضوع البحث خير دليل على ذلك فمن يقرؤه ويدرسه دراسة متأنية باحثة يستطيع أن يرى من خلال الصورة وما تلقيه من ظلال ونثار تجربة غنية موحية بكل ما فى النفس البشرية من خواطر ودلالات .

س5 انت تلجأ دائما إلى استعمال الألفاظ فى غير حقيقتها المألوفة مما يجعل هناك علاقات رمزية وأسلوبية متعددة قد تفوق المعنى المقصود ومن ناحيتى فقد اعتبرت ذلك تجديدا لكنه قد يواجه بغرابة عند الأخرين من النقاد ما قولك فى ذلك؟

ج5 سأجيب على سؤالك هذا من آخره فقد واجه الآخرون هذا الاستعمال بغرابة شديدة لأنهم لا يعجبهم شئ أصلاً لكنهم لم يمكثوا أمام هذه الغرابة إلا قليلاً ثم انقلبوا مسلّمين بهذه العلاقات الرمزية والأسلوبية الجديدة والتى تخرجهم من الزقاقات الضيقة فى عالم الفكر والأدب إلى رحابات التأمل والإعجاب بما يدور حولهم من متغيرات الفكر والإبداع وهم واقفون يتفرجون .
لكنها عوامل التغيير والتجديد ورياح التقدم والانفتاح على ما عند الآخرين من ثقافة وفن ومن طلاقة اللسان ونزوع البيان نحو الأفضل والأرحب بعيداً عن قصور النظر وفتور البصر.
وقد أشار إلأى ذلك الكتور/ حسين على محمد فى حوار معه عندما قال: إن هناك خاصية أسلوبية جديدة عند محمد سليم الدسوقى هى هذه العلاقات الغير مألوفة وهى غير موجودة عند غيره.
وذلك عندما قرأ فى ديوان الحب فى زمن الرمادة عبارة (سِوارَ الأذْنين, وقُرطَ المِعصم...)
ولعلك تكتشف قريباً شيئاً آخر جديداً وتسأل لأجيبك عنه إن شاء الله .

س6 يتهمك البعض بأنك معجمى اللفظ والكلمة ألا ترى أن الشاعر يكتب ليقرأ وبالتالى يجب عليه أن يلتمس التعبير السهل المعروف كيف توازن بين ذلك؟

ج6 يقول البعض : إننى معجمى فى كثير من الألفاظ والكلمات التى أستعملها فى أشعارى.
لكننى أقول بالمقابل: إننى أتهم هذا البعض خاصة إذا كان ممنهجاً على قوائم الأدب والثقافة والإبداع مقبلاً على القراءة والمعرفة مأخوذاً بسحر الشعر وموسيقى الكلام أن يكون قوى الصلة باللغة ومدلولات الألفاظ ولا أقول متخصصاً فيها أو دارساً لفقه اللغة و المعاجم.
وإنما تكفيه الدراية بسياقات التعبير وتآلفات الجمل فحتى لو كانت هناك كلمة فى العبارة قوية بعض الشئ فالتأمل فى السياق يفصح عنها ولو بعض الإفصاح.
لكن التغريب والمعجمية التى أتهم بها غير موجودة وغير مطلوبة خاصةً فى تدنى المستويات المعرفية للغة ودلالاتها فى هذا الزمان.
فمن غير الطبيعى أن أتعمد ذلك وإن كنت أكتب بموضوعية وبصر بمواقف من يقرءون ومن يسمعون معتمداً فى ذلك على بعض الإضاءات الواردة حول هذه الكلمة أو تلك والتى لو تأملها القارئ لفطن للمعنى من أول وهلة ومن أقرب طريق.
إذ لست أسمح لنفسى أن أكتب بأقل من ذلك وأنا من أفنى عمره فى القراءة والكتابة والدرس والبحث, وأن يقال إننى سطحى التفكير والتصوير والتعبير وأننى لم أضف شيئاً إلى اللغة وكأننى أجنج إلى العدم واللاشئ على الإطلاق.
وقد رطبت ذلك بالكثير من الكلمات الدارجة التى أقوس عليها فى موضعها ليعرف القارئ أننى أقصدها.
ولعل ذلك يحدث التوازن المطلوب فى الأسلوب ولا عيب فى ذلك ولا غضاضة مادمت قاصداً له ومعترفاً به .

س7 الرثاء من أغراض الشعر القديمة منذ العصر الجاهلى هل ترى أن الشاعر المعاصر يحافظ على قيمة الرثاء وأهميته أم أنه اقتصر على الحوادث التى تصيبه فقط ؟

ج7 الرثاء غرض قديم قدم الشعر ذاته وإن كنت لا أميل إلى كتابته لأننى أعتبره نوعاً من أنواع التملق والذاتية وأنا أكره ذلك وإن كنت قد وقعت فيه من رثاء للوالد ورثاء للملك فيصل ورثاء للشاعر صلاح عبد الصبور رحمة الله عليهم جميعاً وكان ذلك فى ديوانى الأول والثانى ولعلنى أكون قد كرهت ذلك بعد ذلك, فهو لا يستميلنى على الإطلاق.
أما ديوان ريهام فليس رثاء لأننى كتبته قبل الوفاة بسنتين ونصف وفى الأسبوعين الأولين من المرض وذلك واضح من تاريْخى الكتابة والوفاة .
فهو رجاءات ودعوات خالصة لله أن يرفع البلاء وأن يأذن بالشفاء لكن قضاء الله وقدره سبحانه كانا على ما أراد ولا راد لقدر الله ومشيئته وقد عوضنا الله عن ذلك صبراً وسلواناً وأعتقد أن سوق الرثاء فى الشعر المعاصر سوق نافقة تماماً إلا من بعض المرءيات الحادِثية من هنا أو من هناك.

س8 هل يمكن أن نعتبر ديوان ريهام نوار الفصول من الشعر الإنسانى العام أم أنه رثاء بالدرجة الأولى؟

ج8 ولذلك فديوان ريهام نوار الفصول من الشعر الإنسانى العام بالدرجة الأولى .
تأمل :- " لأجلك تسكن النجوى وساداتى,...وخبأت المسك ذا للربيع,...فخذن لها عيناً من عيونى ترانى بها,...لأن الذى فى يديكِ سقام الجمال.."
وهل يرثى الإنسان إنساناً متشبثاً بالحياة ؟!

س9 رصدت التجربة لديك أغراضاً متعددة من الشعر وموضوعات فى شتى الاتجاهات الوطنية والدينية والسياسية فى مصر وخارجها هل على الشاعر أن يكتب فى كل الأنواع والموضوعات ؟

ج9 ليس على الشاعر بالضرورة أن يكتب فى كل الموضوعات وفى شتى الاتجاهات الوطنية والدينية والسياسية فى مصر وخارجها لكن ذلك لو توفر له لكان أفضل .
لأنه كالراصد للأحداث من حوله وهو موجود يسجل بعبقرية الزمان والمكان ما يقع من أحداث حوله ما دام موجوداً لأننى أتصور أنه بعد أن يرحل الشاعر عن هذه الحياة وتدرّس أعماله كما هو حادث وواقع سيقال فى موقف من المواقف: فلانٌ هذا عاصر إنتفاضة فلسطين عام 2000 مثلاً فماذا كتب عنها؟ أو عن أحداث العراق؟ فيكون الجواب كتب عن الأولى مثلاُ ديوانى "شال القطيفة والبندقية" و "جلاجل الفرس وردية الإيقاع" وعن الثانية ديوان " أبابيل " وهكذا ...
وأنا أتحمل مسئولية نفسى حتى بعد الرحيل عن الحياة.



س10 أحيانا أشعر أن هناك تكرار فى استعمال الكلمات وتوظيفها هل لذلك من دلالة؟

ج10 التكرار الموجود فى بعض الكلمات أو الألفاظ هو شئ طبيعى لأن الألفاظ هى خيط النسيج الذى تصنع منه القلادة أو القصيدة مثلاُ فليس هناك نسيج من غير خيط ووحدة شيئية كصناعة الموجودات أو الأشياء بشرط أن يكون ذلك مقبولاً ومجدولاً فى ضفيرة الكلمات بخيط سحرى يشد بعضها إلى بعض ويؤلف منظومة ورد جميلة وباقة حب ظليلة وشئ ما أكثر عمقاً وعشقاً خلف المرئيات المحسّة من هنا أو من هناك.
وقد كتبتُ عن التكرار المرذول وهو تكرار الموضوعات أو الصور أو القصائد بغية الإكثار من الكتب أو الدواوين وهذا شئ لا أخشى منه على تجربتى ذات العشرين ديواناً وكل ديوان بموضوع وعنوان معين وهو شئ ليس موجوداً قبله أو بعده.
ولا أخفى عنك أننى مؤمن أشد الإيمان بجغرافية اللغة فى سائر ما أكتب وكنت أدرّس ذلك للأولاد فى المدارس وأقول لهم: للمكان والزمان واقع جغرافى فى التناولات اللفظية التى يحتويها.
ففى المستشفى مثلاُ تشيع ألفاظ: "الدواء / الشفاء / المريض/الدكتور.."
وفى المدرسة "الأستاذ / التلميذ/ الحصة/ الدرس ..." وفى المحكمة " القاضى / المتهم/ الدفاع ..."
ولذلك كنت عندما أنوى كتابة ديوان عن العصر الفرعونى مثلاُ .." سنوهى فى بلاد العشق "
قرأت مجموعة الدكتور/ سليم حسن بكل متناولاتها لتطفح بعض ألفاظها على القصائد .
وقبل ذلك كتبت ديوان "وا...زمان الوصل بالأندلس"...قرأت الحضارة الإسلامية فى الأندلس والحمامة المطوقة وكل ما وصلت إليه يدى من متناولات الأندلس شعراً ونثراً لأكتب بمتناولات السياق وقد كنت أقدّر أن كل ما أقرؤه فى الموضوع سيفيدنى حتى ولو كان فناً تشكيلياً .

س11 السمات الأسلوبية التى تحيل النص إلى الطبيعة الريفية الأولى لاتفارق التجربة لديك فى أحيان ليست بالقليلة هل مازلت تشعر بالحنين إلى الريف البعيد؟

ج11 الطبيعة الريفية الأولى عندى راسخة فى الوجدان رسوخ الليل والنهار والشمس و القمر ولا تزوغ ولا تغيب كما هى ثابتة فى مداراتها المختلفة التى خلقها الله عليها رغم ما اعتراها من خلال القِدم ورُعافِ الهِرم كما ينتاب بعض الذوبان جبال الجليد ولكنها شامخة كعهدنا بها يوم خلقها الله ويوم ألقى عليها عذار التكليف وبدار الأمانة فتغطيْن برداء الإباء ودثار الخوف وجرى إليها الإنسان متحملاً العواقب غير هياب ولا وجل .
طبيعةٌ هذا شأنها ترسخت فى أعمال الشعور منذ الوهلة الأولى التى حبا الإنسانُ فيها على الأرض, ودرج على مدارجها وتمرغ فى ترابها وعاشرها بكراً ذلولاً يحتضن الزهور ويختدن البدور يقلّب الغلات, ويعدد الهبات, ويحمل فى يديه السلال والقلال .
فهل بوسعى ووسع الإنسان أياً كان يعى هذه الهبات أن ينساها يوماً ما مهما تقطعت به السبل وألقت به المقادير فى ناحية أخرى مغايرة لما ألِف وحنى وقطف وكبّر؟
س12 من هو الشاعر المثقف ؟

ج12 المثقف عندى من لبس دثار المعرفة وأخذ من كل فن بطرف .
فإذا تحدث إليك ألفته عارفاً بالسياسة والكياسة والأدب والفن والدين والفلسفة والذوق ولا أقول أن يكون متخصصاً فى فن من هذه الفنون وإنما تكفيه المعرفة التى تمكنه من أن ينعم بما يرى ويسمع ويتحدث إلى من حذق هذه الفنون حتى ليخيل إليك أنه من رجالها .
هذا هو المثقف عموماً ...
أما الشاعر المثقف فهو:-
من أضاف إلى هذه المعرفة ثقافة خاصة وألمّ بفنون الأدب واللغة والبلاغة وقرأ منذ الصغر قراءات شتى وأخذ بطرف من الأدب الجاهلى والإسلامى والمعاصر وإذا امتهن الشعر وأصبح من رجالاته المرموقين فلابد أن يزاحم فى الساحة الأدبية بالمناكب والأقتاب وأن يكون على علم تام بما يجرى فى تلك الساحة من شواهد وشوارد وحتى لا يفوته شئ قد يكون فيه الخير لو ألم به.

س13 لماذا تكتب ولمن ؟

ج13 هذا سؤال يبدو فى غاية الحرج ولقد سألته لنفسى قبلاً وكنت أجيب :-
إننى أكتب لأكتب وقد تكون هذه الإجابة شافية فى بداية التجربة الإبداعية لكنها لا تنفع الآن لمن كتب والتفت الناس إليه وقد ملأ الساحة صخباً وذهباً !
أما لمن أكتب؟
فإننى أكتب لمن يقرأ ولمن يسمع ..لأن القراءة والاستماع مجرد الاستماع أصبح فى هذه الأيام نادر الحدوث ! لكن الخير فى الناس مازال وسيظل قائماً لأن قسيمه الآخر قائم .
وأكاد أقول: إن الساحة الأدبية ملأى بأصحاب الهوايات والهمم ..
وإن كان التليفزيون والقنوات الفضائية والحاسوبات قد اقتطعت عناصر مهمة من حياة الناس وأوقاتهم فيما يفيد وفيما لا يفيد فى ذات الوقت .
ولذلك اصطنعنا للشباب وللشبيبة مواسم وأعياداً للقراءة علهم يلتفتون لشئ مهم فى حياتهم ألا وهو القراءة, ولكنهم حتى فى هذه المواسم والأعياد لا يقرأون .



س14 ما هو النص الذى تتمنى كتابته أوماهى الفكرة التى تراودك وتلح عليك؟
ج 14 كنت أود أن أكتب المسرحية كما أحب وهى فى الحسبان لأن لى فيها تجربة ناجحة فى بداية الكتابات وهى موجودة فى ديوانى الثانى "طقوس اللسلة الممتدة /سلام الله يا أمى/" .
لكن من يقبل على هذا العمل كما يجب فلابد أن يقرأ مائتى نموذج على الأقل حتى يحسن العمل ويضيف إلى المسرح العربى جديداً, وعلى الله وحده تحقيق هذه الأمانى والرجاءات .

س15- هل عبرت عن ذاتك كما تحب في دواوينك العديدة التي مضت؟

ج15 نعم أرانى فى كل قصيدة ومن وراء كل قصيدة مما كتبت أعبر عن ما يجيش فى صدرى من قيمة ومن رغيبة تحققت أو أهلل لها لتتحقق فى سموق وثبات وإباء وشمم والحكايا عديدة تفصح عنها هذه الدواوين ..عيناً بعين وموالاً بموال فى ذات الترتيب الإبداعى الذى كتبتها به .
وهو ترتيب فى غاية الأهمية لمن يدرس ويهجس ويحلل وهو فى نهاية الدرب حبيبٌ يرفد الحلوى ويتناول معى فنجال قهوة زائد السكر !

س16ما السؤل الذي تحب أن يوجه لك بشأن تجربتك الإبداعية؟

ج16 السؤال الذى كنت أحب أن أجيب عنه هو عن اللغة وصحتها وعن صحة الإيقاع لأن ناقداً حبيباً قد مسّ هذا الجانب فى أحد دواوينى لذا فأنا أوفر عليه عناء الإجابة لأجيب:-
إن الكتابة على الحاسوب قد تضيف ألفاً أو تحذف ألفاً يعنى تحسب عليك خطأً وهو خطأ طباعى وليس خطأً لغوياً لأن هذه الكتابة مراجعة مرات عديدة.
وأضيف : أن اللغة فضفاضة رحبة فى تقديراتها وفى الحذف وفى الإضافة وتقدير العوامل واختلاف المدارس اللغوية والضرورات الشعرية فى سبيل اعلاء صوت الشعر .
فأنا لم أكتب فى ضرورة تخالجك إلا ولها من الصحة وجه, بارك الله الأزهر الشريف الذى بسط لنا النعماء ننهل من رضابها ما نشاء ولنقدم للشعر العربى باقات لغوية جميلة قطفناها بأيدينا من ورود اللغة وروابيها .
أما الإيقاع فمن يقرأ القصيدة العربية الجديدة للأستاذ/ عبد المنعم عواد يوسف ويدرس تقلبات التفعيلة العروضية على جنباتها المختلفة يعرف : أن المقولة التى تعلمناها فى مجال الدرس والبحث و نحن صغار وهى أنه: ما أخطأ نحْوىٌ قَط هى مقولة صحيحة, وأضيف إليها :
وما أخطأ موقّع قَط عبَّ من نهر القصيدة العربية الحديثة وموسيقاها تبراً وأساور وأسارير !
كذلك : وكما ذكرت قبلاً فى هذا الحوار أن ورود بعض الكلمات أو الألفاظ العامية والمُقوّس عليها فى بعض الدواوين ...
إنما هو خلجة من خلجات هذا العمل الضخم مقصودة لذاتها ولإحداث التوازن المطلوب بين ذلك وما يقالُ من أعجمية بعض الألفاظ .
وأذكر بهذا الخصوص أن إبنةً لى قرأت يوماً قصيدة "على قهوة الصباح" بإحدى الصحف ولسهولتها وجمالها قالت لى: هل هذه القصيدة عامية ؟ لأن لها تخصصاً آخر ..
فقلت لها : لا ... إنها فى غاية الفصاحة والبلاغة وقد دفع ذلك الدكتور/ يسرى العزب أن يقول فى إحدى مناقشاته الإذاعية:-
إننى أهيبُ بشباب شعراء الشرقية أن يقرأوا محمد سليم الدسوقى كله فسوف يفيدهم ذلك كثيراً .

س17ما رأيك في هذا الحوار؟

ج17 تسألنى بعد هذا الحوار عن رأيى فيه فأقول لك: ..
هذا الحوار شدنى شداً للإجابة عنه وقد كان فى نيتى أن أكتب عن ذلك لكنى كنت أؤجله إلى حينه ولكنك إستطعت بحوارك هذا أن تجذبنى جذباً إلى الكتابة عنه مفصلاً وموضحاً كما تحب وأرجو أن أكون قد وفقت فى ذلك .

س18 قام الباحث والناقد د.نادر عبدالخالق بقراءة شعرك من وجوه الصورة والأسلوب واللغة هل تراه وفق فى الوقوف على ما كنت تود قوله؟

ج18 أما سؤالك الأخير عن مدى توفيقك فى الوقوف على ما كنت أود أن أقوله..فأقول: كأنك قد كنت تقرأ أفكارى فى الإشارة إلى جوانب هذه التجربة التى أرجو أن تكون ناجحة لديك ولدى كافة الدارسين والباحثين الذين يستهويهم البحث والدرس وإلقاء الأضواء على تجارب أفنى فيها أصحابها أكثر من خمسين عاماً من القراءة والمتابعة والمثابرة والاستمرارية رغم قسوتها وعنائها وسهر الليالى والأيام .
وإن كنت أود أن يتسع وقتك وبحثك ليشمل قراءة التجربة كلها من ديوانها الأول وحتى ديوانها الحادى والعشرين لتعم الفائدة وتكمل النجاعة ونجيب معاً عن سؤالٍ تردد فى ردهات العقول كثيراً وقد عانيت منه أكثر وهو لماذا يجفل النقاد العظام عن دراسة التجربة عند محمد سليم الدسوقى؟؟!!
ولك شكرى وتقديرى على عملك النبيل وعلى تحملك وجسارتك يا دكتور/ نادر
مع تحياتى وتمنياتى الطيبة لك بالتوفيق والسداد.


حوار أجراه
الدكتور
نادر أحمد عبدالخالق
مع الشاعر
محمد سليم الدسوقى
30/10/2009

هناك تعليقان (2):

  1. حوار رائع بين ناقد كبير وشاعر كبير وضحت من خلاله إلمام الناقد التام بجملة إصدارات الشاعر والأجمل ان الحوار اظهر معالم التجربة بداية من النشأة وطبيعة النشأة الريفية وصداها فنيا عبر مراحل الإبداع الشعرى .. الحقيقة انه حوار ممتع وغاية فى الجمال .. تحيةلكما أيها الكبيرين

    ردحذف
  2. شكرا للاديب الكبير الاستاذ محمود الديدامونى على مروره الكريم ونظرته الموضوعية التى كشفت كثيرا من ملامح الحوار

    ردحذف